المحسوسات ، وأن أي أحكامها تكون يقينية ، وأيها تكون غير يقينية ، صناعة المناظر كما جعلوا لبيان ذلك في المعقولات صناعة سوفسطيا (١) ، وما ذكر في تلخيص المحصل من أنه لا حكم للحس لأنه ليس من شأنه (٢) التأليف الحكمي ، بل الإدراك فقط ، وإنما الحكم للعقل ، ليس ردا لكلام الإمام بالمناقشة في أن الحاكم هو الحس أو العقل بواسطته ، بل لما رتب عليه من المقصود حيث قال : فالمحسوس من حيث إنه محسوس لا يوصف بكونه يقينيا أو غير يقيني ، وإنما يوصف به من حيث مقارنته لحكم العقل ، وحينئذ يصير المعنى أن أحكام العقل في المحسوسات ليست بيقينية لما قد يقع فيها من الغلط ، وهذا لا يختص ، بالمحسوسات ، لأن المعقولات الصرفة أيضا قد يقع فيها الغلط ، ولا تصح نسبته إلى الحكماء (٣) لتصريحهم بخلاف ذلك. نعم لما ذكر الإمام أنه ثبت بما ذكر من الشبه أن حكم الحس قد يكون غلطا فلا بد من حاكم آخر فوقه يميز صوابه عن خطئه ، فلا يكون الحس هو الحاكم الأول ، رده بأن الحس ليس بحاكم أصلا ، بل الحاكم في الكل هو العقل ؛ وأما اشتغاله ببيان أسباب الغلط فيما أورده الإمام من الصور فقد اعترف بأنه تنبيه لمن يثق أو يعترف بالوقوف (٤) على الأوليات والمحسوسات ببيان التقصي (٥) عن مضايق (٦) مواضع الغلط ، ثم إحالة تصويب
__________________
(١) سفسطة ، عند الفلاسفة : هي الحكمة المموهة ، وعند المنطقيين : هي القياس المركب من الوهميين والغرض منه تغليط الخصم وإسكاته كقولنا : الجوهر موجود في الذهن وكل موجود في الذهن عرض ، ينتج أن الجوهر عرض. تطلق السفسطة أيضا على القياس الذي تكون مقدماته صحيحه ونتائجه كاذبة لا ينخدع بها أحد.
(٢) سقط من (أ) لفظ (ليس).
(٣) الحكيم : صاحب الحكمة. ويطلق على الفيلسوف ، والعالم ، والطبيب وعلى صاحب الحجة القطعية المسماة بالبرهان. والحكيم من أسماء الله تعالى ، وقد سمي القرآن الكريم بالذكر الحكيم ، لأنه الحاكم للناس وعليهم ، ولأنه محكم لا اختلاف فيه ولا اضطراب.
والحكماء السبعة عند قدماء اليونانيين هم : ١ ـ طالس ، ٢ ـ بيتاكوس ٣ ـ بياس ٤ ـ صولون ، ٥ ـ كليوبول ، ٦ ـ ميزون ، ٧ ـ شيون.
(راجع كتاب بروتاغوراس لأفلاطون ٣٤٣).
(٤) في (ب) بالوثوب وهو تحريف.
(٥) في (ب) التفصي بالفاء وليس بالقاف.
(٦) في (ب) تضايق.