الصواب وتخطئة الخطأ إلى صريح العقل ، من غير افتقار إلى دليل في الوثوق بالمحسوسات ، ولا جواب عن شيء من الشكوك ، ولا تأمل في الأسباب وحصرها ، وانتقائها ونحو ذلك ، وحاصل الشكوك أنه لا وثوق على حكم الحس ، أما في الكليات (١) فلأنه لا يحيط بها كيف ، وهي لا تقتصر على الأفراد المحققة. وأما في الجزئيات فلأنه (٢) كثير ما يكون حكمه فيها غلطا ، بأن يقع الحكم في المحسوسات على خلاف ما هو عليه ، فإنا نرى الصغير كبيرا أو بالعكس (٣) والواحد كثيرا أو بالعكس ، والساكن متحركا إلى غير ذلك ، كما نرى العنبة في الماء كالإجاصة ، والجرة من بعيد كالكوز ، والقمر في الماء قمرين ، والألوان المختلفة في الخطوط المخرجة من مركز الرحى إلى محيطها عند إدارتها لونا واحدا ممتزجا من الكل ، ويرى(٤) من في السفينة ساكنة وهي متحركة ، والشط متحركا وهو ساكن ، إلى غير ذلك.
والجواب : أن غلطه في بعض الصور لا ينافي الجزم المطابق في كثير من الصور ، كما في الحكم بأن الشمس مضيئة والنار حارة ، إذ العقل قاطع بأنه لا غلط هناك من غير افتقار إلى نظر ، وإن كان ذلك بمعونة أمور لا تعلم على التفصيل وهذا ما قاله في المواقف : إن مقتضى ما ذكر من الشبه أن لا يجزم (٥) العقل بأحكام المحسوسات لمجرد الحس (٦) لا أن لا يوثق بجزمه بما جزم به وكونه محتملا ، أي ولا أن يكون كل ما جزم به العقل من أحكام المحسوسات محتملا أي بصدد الاحتمال بناء على عدم الوثوق بما وقع فيه من الجزم.
__________________
(١) الكلي : عند المنطقيين ، هو الشامل لجميع الأفراد الداخلين في صنف معين ، أو هو المفهوم الذي لا يمنع تصوره من أن يشتمل فيه كثيرون. قال ابن سينا : اللفظ المفرد الكلي هو الذي يدل على كثيرين في الوجود كالإنسان أو كثيرين في جواز التوهم : كالشمس ، وبالجملة الكلي : هو اللفظ الذي لا يمنع مفهومه أن يشترك في معناه كثيرون فإن منع من ذلك شيء فهو غير نفس مفهومه.
(راجع النجاة ص ٨) والكليات الخمس : هي الجنس ، والنوع ، والفصل. والخاصة ، والعرض العام.
(٢) في (ب) فلأن.
(٣) في (ب) وبالعكس بدون الهمزة.
(٤) في (ب) ونرى.
(٥) في (ب) أنه.
(٦) في (أ) ألا بزيادة همزة.