والطبيعيات. حتى نقل عن أرسطو (١) أنه قال : لا يمكن تحصيل اليقين في المباحث الإلهية إنما الغاية القصوى فيها الأخذ بالأولى والأخلق ، وهذا أقرب بأن يكون محل النزاع ، إذ لا يتصور تردد في أن الحاصل من ضرب الاثنين في الاثنين أربع ، وبالجملة لما كان مقصود الإمام الرد على المنكرين اقتصر على أن النظر المفيد للعلم مطلقا أو في الإلهيات موجود في الجملة ، ولما قصد الآمدي إثبات قاعدة تنطبق على الأنظار الجزئية الصحيحة الصادرة عنا في اكتساب العلوم افتقر إلى إثبات الموجبة الكلية ، فقيد النظر بكونه في القطعيات ، إذ النظر في الظني لا يفيد العلم وفاقا ، وبأن لا يعقبه شيء من أضداد الإدراك كالنوم والغفلة والموت ، فإنه لا علم حينئذ بل لا ظن أيضا ، وجعل كلا من الأمور المذكورة ضدا للإدراك على ما هو رأي المتكلمين ، وإن لم يوافق اصطلاح الفلاسفة ، وتركنا التقييد بالقطعي استغناء عنه بذكر الصحيح ، إذ النظر في الظني لطلب العلم يكون فاسدا من جهة المادة ، حيث لم يناسب المطلوب ، وليتناول النظر المطلوب به التصور ، هذا وظاهر كلام المتكلمين أنهم يريدون بالعلم والنظر عند الإطلاق ما يخص التصديقات ، وأن ما ذكرنا في قولهم العلم صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض (٢) والنظر فكر يطلب به علم أو ظن ، أنه يعم التصور والتصديق تكلف منا.
(قوله : بمعنى حصوله عقيبه عادة مع الكسب أو بدونه ، أو لزوما عقليا بخلق الله تعالى عندنا وتوليدا عند المعتزلة (٣) ووجوبا بتمام الاستعداد وكمال الفيض عند الحكماء).
__________________
(١) أرسطو : ولد أرسطو عام ٣٨٥ ق. م في إحدى مدن مقدونيا ، وكان أبوه طبيبا للملك فنشأ أرسطو في البلاط المقدوني ، تتلمذ على أفلاطون وتولى هو تربية الاسكندر الأكبر أنشأ أرسطو مدرسة يعلم فيها. وسمي اتباعه المشاءون له مؤلفات كثيرة في الطبيعة وما وراء الطبيعة والأخلاق والسياسة توفي عام ٣٢٢ ق. م.
(راجع محاضرات في الفلسفة الشرقية والإغريقية).
(٢) النقض : نقض البناء قال تعالى : (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) ، وقوله : (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) ، قال ابن عرفه : أي أثقله حتى جعله نقضا ، وهو الذي أتعبه السفر ، والمناقضة في القول : أن يتكلم بما يتناقض معناه ، والتناقض خلاف التوافق ، والانتقاض : الانتكاث.
(٣) راجع كلمة عن المعتزلة ومذهبهم في هذا الجزء.