وإذا أردنا أن نقدم بين يدي القارئ ، أحد هذه التعريفات ، فإننا نختار التعريف الذي قدمه ابن خلدون في مقدمته ، باعتباره يمثل المرحلة الأولى من نشأة هذا العلم ، قبل اختلاطه بالفلسفة ، وهو مع ذلك يكاد يعبر عن رأي الأغلبية ممن يشتغلون بهذا العلم.
يقول ابن خلدون : «وهو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية ، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذهب السلف ، أو أهل السنة» (١).
والتعريف الذي قدمه ابن خلدون يعطينا عند فحصه وتأمله ، أن علم الكلام علم يدافع عن العقائد الإيمانية (٢).
وأسلحته الدفاعية هي العقل ومعداته.
وهو دائما يشهر في وجه المبتدعة الضالين.
وإذا كان ذلك كذلك. فبما ذا يسمى الآخر الذي يستعمله خصوم أهل السنة والجماعة ، من الجهمية ، والخوارج ، والباطنية ، وبقية الفرق الضالة الخارجة عن مذهب السلف؟.
إن صاحب كتاب (كشاف اصطلاحات الفنون) يتساءل أيضا فيقول : «هل علم الكلام يشمل الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة فقط؟ أو يشمل كل العقائد المتعلقة بأصول الدين؟ سواء منها الموافق ، أو المخالف؟ وإذا كان
__________________
(١) راجع مقدمة ابن خلدون ص ٤٤٨ ط المكتبة التجارية الكبرى ـ مصر. وقال الفارابي : «إن الكلام صناعة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة ، وتزييف كل ما خالف من الأقاويل» إحصاء العلوم ص ٧١ ـ ٧٢.
(٢) قال الإمام الغزالي : لما نشأت صيغة الكلام وكثر الخوض فيه ، تشوق المتكلمون إلى محاولة الذب عن السنة بالبحث عن حقائق الأمور ، وخاضوا في البحث عن الجواهر والأعراض ، وأحكامهما ، ولكن لما لم يكن ذلك مقصودهم ، لم يبلغ كلامهم فيه الغاية القصوى.
(راجع المنقذ من الضلال فصل علم الكلام).