ومرادنا نفي الإيجاب الكلي لعدم اللزوم في بعض المواد ، والقائلون بأنه لا لزوم أصلا يريدون اللزوم الذي مناطه صفة في الشبهة ، بمعنى أن شبهة المنظور فيها ليس لها (١) لذاتها صفة ولا وجه ، بكونه مناط للملازمة بينها وبين المطلوب ، وإلا لما انتفت الدلالة (٢) والعناصر ، وعجائب المركبات وأبعد كالمجردات والإلهيات من مباحث الذات والصفات ، وأجيب بأن ذلك إنما يدل على صعوبة تحصيل هذه العلوم بالنظر لا على امتناعه ، والمتنازع هو الامتناع لا الصعوبة.
الخامس : لو أفاد النظر العلم أي التصديق في الحقائق الإلهيات لكان شرطه وهو التصور متحققا لكنه منتف إما بالضرورة فظاهر ، وإما بالكسب فلأن الحد ممتنع لامتناع التركيب وللرسم لا يفيد تصور الصور الحقيقية. وأجيب بأن الرسم (٣) قد يفيد تصور الحقيقة وإن لم يستلزمه ولو سلم فيكفي التصور لوجه ما.
السادس : أن العلم بوجود الواجب هو الأساس في الإلهيات ، ولا يمكن اكتسابه بالنظر ، لأنه يستدعي دليلا يفيد أمرا ويدل عليه ، وذلك إما نفس ثبوت الصانع أو العلم به ، وإلا لما كان دليلا عليه ، فإن كان الأول لزم من انتفائه انتفاؤه ضرورة انتفاء المفاد بانتفاء المفيد ، وإن كان الثاني لزم من عدم النظر في
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (لها).
(٢) الدلالة : هي أن يلزم من العلم بالشيء علم بشيء آخر ، والشيء الأول هو الدال والثاني هو المدلول فإن كان الدال لفظا كانت الدلالة لفظية وإن كان غير ذلك كانت الدلالة غير لفظية وكل واحدة من اللفظية وغير اللفظية تنقسم إلى عقلية وطبيعية ووضعية وتنقسم الدلالة اللفظية والوضعية إلى دلالة المطابقة ، ودلالة التضمن ودلالة الالتزام.
(راجع تعريفات الجرجاني).
(٣) الرسم عند المنطقيين مقابل للحد وهو قسمان : رسم تام ورسم ناقص. فالتام ما يتركب من الجنس القريب والخاصة ، كتعريف الإنسان بالحيوان الضاحك. والناقص ما يكون بالخاصة وحدها أو بها وبالجنس البعيد ، كتعريف الإنسان بالضاحك أو بالجسم الضاحك. أو بعرضيات تختص جملتها بحقيقة واحدة ، كقولنا في تعريف الإنسان إنه ماش على قدميه ، عريض الأظفار بادي البشرة مستقيم القامة ، ضحاك بالطبع.
(راجع تعريفات الجرجاني).