والإجماع على وجوب المعرفة متواتر الاكتفاء (١) إنما كان بالأدلة الإجمالية على أن جواز التبرك للبعض لا ينافي الوجوب في الجملة (٢) واحتياج طرق تحصيل غير الضروري إلى نظر ما ضروري ، إذ الحكم مختص بالأغلب ومعنى إطلاق الوجوب عدم تقيده بتلك المقدمة ، كوجوب الصوم بالنسبة إلى النية والإقامة والحج بالنسبة إلى الإحرام والاستطاعة والمعرفة كيفية لا معنى لإيجابها سوى إيجاب تحصيلها وفيه إيجاب سببها قطعا ، وكحز الرقبة في إيجاب القتل ولو اكتفينا بالإجماع على وجوبه لكفينا هذه المئونات).
أي لأجل حصولها بقدر الطاقة البشرية لأنه أمر مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق (الذي المعرفة ، وكل مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق فهو واجب شرعا إذ كان وجوب الواجب) (٣).
المطلق شرعيا كما هو دينا أو عقلا ، إن كان عقليا كما هو رأي المعتزلة لئلا يلزم تكليف المحال ، أما كون النظر مقدورا فظاهر ، وأما توقف المعرفة عليه فلأنها ليست بضرورية بل نظرية ـ ولا معنى للنظري إلا ما يتوقف على النظر ويتحصل به ، وأما وجوب المعرفة فعندنا بالشرع للنصوص الواردة فيه والإجماع المنعقد عليه واستناد جميع الواجبات إليه ، وعند المعتزلة بالعقل لأنها دافعة لضرر الظنون وهو خوف العقاب في الآخرة حيث أخبر جمع كثير بذلك ، وخوف
__________________
(١) لنقله جمع خلفا عن سلف يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة ، بل ينبغي أن يكون هذا مما تواطأت عليه ملل الإيمان جميعا. وكيف يصح من مؤمن أن لا يقول بوجوب المعرفة التي هي الإيمان بالله تعالى ...؟ ثم لو سلم أن النص ظني والإجماع لنقله الآحاد ظني أيضا ، فالوجوب الشرعي يكفي فيه الظن المفاد لما ذكر.
(٢) ويجاب عن الثالث. وهو أن المعرفة لا تتوقف على النظر حتى يجب بوجوبها لحصولها بالتعليم أو الإلهام أو قول المعصوم أو المجاهدة والتصفية ، فأجاب بأن كل هذه الأشياء تحتاج إلى نظر ضروري ، لأن المعلم يرشد إلى المقدمات وإلى وجه الدلالة ، وإلى وجه دفع الشبه والشكوك ، فإذا حصل عند المتعلم ما أرشد إليه ، انتقل إلى النتيجة والانتقال إلى النتيجة بعد إدراك الدليل حصول عن نظر فلم يخل التعلم عن نظر ما بهذا الاعتبار. وكذا الإلهام لا يوثق به حتى يعلم أنه من الله تعالى ولا يعلم أنه منه إلا بالنظر.
(٣) ما بين القوسين سقط من (ب).