ما يترتب في الدنيا على اختلاف الفرق في معرفة الصانع من المحاربات وهلاك النفوس وتلف الأموال ، وكل ما يدفع الضرر المظنون بل المشكوك واجب عقلا ، كما إذا أراد سلوك طريق فأخبر بأن فيه عدو أو سبعا ورد بمنع ظن الخوف في الأعم الأغلب إذ لا يلزم الشعور بالاختلاف وبما يترتب عليه من الضرر ولا بالصانع وبما رتب في الآخرة من الثواب والعقاب والإخبار بذلك إنما يصل إلى البعض وعلى تقدير الوصول لا رجحان لجانب الصدق لأن التقدير عدم معرفة الصانع وبعثة الأنبياء ودلالة المعجزات ، ولو سلم ظن الخوف فلا نسلم أن تحصيل المعرفة يدفعه لأن احتمال الخطأ قائم ، فخوف العقاب أو الاختلاف بحاله والعناء لزيادة.
فإن قيل : لا شك أن من حصل المعرفة أحسن حالا ممن لم يحصل لاتصافه بالكمال وتحصيل الأحسن واجب في نظر العقل.
قلنا : نعم إذا حصلت المعرفة على وجهها ولا قطع بذلك بل ربما يحصل (١) ويقع في أودية الضلال فيهلك. ولهذا قيل البلاهة (٢) أدنى إلى الخلاص من فطانة (٣) بتراء ، هذا بعد تسليم وجوب الأحسن وتقرير السؤال على ما ذكرنا تتميم للدليل المذكور ، لبيان وجوب المعرفة ، وعلى ما في المواقف وهو أن الناظر أحسن حالا ابتداء دليل على وجوب النظر عقلا ، وأورد على هذا الاستدلال إشكالات بعضها غير مختص به ولا مفتقر إلى حله ، لكونه منعا على مقدمات مثبتة (٤) مقررة ، مثل إفادة النظر العلم مطلقا وفي الإلهيات وبلا معلم ، وإمكان تحقق الإجماع ونقله ، وكونه حجة وبعضها مختص به مفتقر إلى دفعه. وهي خمسة :
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (يحصل).
(٢) البلاهة في اللغة : ضعف العقل ، وعجز الرأي ، وشرود الفكر. والأبله الضعيف العقل.
وتطلق البلاهة في علم أمراض النفس على التخلف العقلي ، وهي بين العجز والعته.
(٣) الفطنة : كالفهم تقول فطن للشيء يفطن بالضم فطنة ، وفطن بالكسر فطنة أيضا. وفطانة وفطانية الفاء فيهما. ورجل فطن بكسر الطاء وضمها.
(٤) في (ب) مينية بدلا من مثبتة.