وقال القاضي والإمام : هو القصد إلى النظر لتوقف النظر عليه (١) ، والحق أنه إن أريد أول الواجبات المقصودة بالذات فهو المعرفة ، وإن أريد الأعم فهو القصد إلى النظر ، لكن مبناه على وجوب مقدمة الواجب المطلق ، وقد عرفت ما فيه ، فلذا قال في المتن ، وإلا فالثاني ، أي النظر أو القصد إليه. لا يقال النظر مشروط بعدم المعرفة ، بمعنى الجهل البسيط بالمطلوب، فينبغي أن يكون أول الواجبات ، لأنا نقول هو ليس بمقدور بل حاصل قبل القدرة والإرادة ، ولو سلم فوجوب النظر مقيد به ، لامتناع تحصيل الحاصل فلا يكون مقدمة للواجب المطلق واستدامته ، وإن كانت مقدورة بأن ترك مباشرة أسباب حصول المعرفة لكنها ليست بمقدمة. وقال أبو هاشم أول الواجبات هو الشك (٢) لتوقف القصد إلى النظر عليه(٣) إذ لا بدّ من فهم الطرفين والنسبة مع عدم اعتقاد المطلوب أو نقيضه على ما سبق ورد بوجهين.
أحدهما : أن الشك ليس بمقدور لكونه من الكيفيات كالعلم وإنما المقدور تحصيله أو استدامته ، بأن يحصل تصور الطرفين ويترك النظر في النسبة ولا شيء منهما بمقدمة ، واعتراض المواقف (٤) بأنه لو لم يكن مقدورا لم يكن العلم مقدورا لأنه ضده ، ونسبة القدرة إلى الضدين على السواء ساقط ، بما اعترف به من أن العلم ليس بمقدور ، وإنما المقدور تحصيله بمباشرة الأسباب.
وثانيهما : أن وجوب النظر والمعرفة مقيد بالشك ، لما سبق من أنه لا إمكان للنظر بدونه فضلا عن الوجوب ، فهو لا يكون مقدمة للواجب المطلق ، بل
__________________
(١) كالعلم والجهل والقدرة والإرادة والبياض والسواد وشبه ذلك ، وذلك أن القدرة إنما تتعلق بالأفعال الكسبيات لحركات والسكنات لا بالكيفيات.
(٢) قال أبو هاشم : الشك في الله حسن. وهذا خروج منه عن قول الأمة ، وتوصل منه إلى هدم أصله.
راجع (الشامل في أصول الدين للإمام الجويني ص ١٢١).
(٣) يرد على أبي هاشم أن العقل لا يحكم بحسن طلب الشك ولا يجمل بالعاقل أن يكون مطلوبه الشك ، وهذا أمر ضروري فكيف ينتحل كون الشيء أول واجب عقلا.
(٤) يقصد صاحب المواقف (راجع الاعتراض في كتاب المواقف ج ١ ص ١٩٢).