الصانع ، ويسمى عكسه تعليلا كالتوصل بالنظر في النار إلى الإشراق ، أي إلى التصديق بذلك ، وما يقال إن الدليل هو الذي يلزم من العلم به العلم بوجود المدلول فمعناه العلم بتحقق النسبة إيجابا كان أو سلبا ، من غير اعتبار وصف المدلولية ، حتى كأنه قيل بتحقق شيء آخر وهو المدلول ، وحينئذ لا يخرج مثل الاستدلال بنفي الحياة على نفي العلم ، ولا يلزم الدور بناء على تضايف الدليل (١) والمدلول ، وذلك لأن الدليل عندهم اسم لما يفيد التصديق دون التصور ، والعلم قسم من التصديق يقابل الظن ، وعلى هذا فمعنى العلم بالدليل إذا حملناه على مثل العالم للصانع هو العلم بما يؤخذ (٢) من النظر في وجه دلالته من المقدمات المرتبة ، مع سائر الشرائط التي من جملتها التفطن لجهة الإنتاج وكيفية الاندراج ، إذ لا يلزم العلم بالمدلول إلا حينئذ ، ولا يقال العلم بالنتيجة لازم للعلم بالمقدمات المرتبة ، إلا أنه قد يفتقر إلى وسط لكونه غير بيّن لأنا نقول لو كان كذلك لامتنع تحقق العلم الأول بدون الثاني ، كالمثلث لا يتحقق بدون تساوي زواياه القائمتين ، والموقوف على الوسط إنما هو العلم بذلك ، والحاصل أن اللازم يمتنع انفكاكه عن الملزوم بيّنا كان أو غير بيّن ، والتفرقة إنما تظهر في العلم باللزوم وبتحقق اللازم.
(قال : والدليل إن لم يتوقف على نقل أصلا فعقلي وإلا فنقلي ، سواء توقف كل من مقدماته القريبة على النقل أو لا.
وقد يخص النقل الأول ويسمى الثاني مركبا ، أما النقلي المحض فباطل إذ لا بد من ثبوت صدق المخير بالعقل ، والمطلوب إن استوى طرفاه عند العقل
__________________
(١) الدليل هو الحجة ، والبرهان : هو ما دل به على صحة الدعوى. والدليل في الفقه المرشد. وما به الإرشاد وما يستدل به. وله عند الأصوليين معنيان ، أحدهما : ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري ، وهو يشمل القطعي والظني ، والثاني : ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه. إلى العلم بمطلوب خبري وهذا يخص بالقطعي. والمعنى الأول أعم من الثاني مطلقا.
والدليل عند الفلاسفة : هو الذي يلزم من العلم به علم بشيء آخر وغايته أن يتوصل العقل إلى التصديق اليقيني بما كان يشك في صحته. وقد يكون الدليل قياسا أو برهانا.
(٢) في (ب) يوجد بدلا من (يؤخذ).