وإذا تعاضد العقل والنقل كان المثبت ما أفاد العلم أولا. واعلم أن توقف النقل على ثبوت الصانع ، وبعثة الأنبياء ، إنما هو في الأحكام الشرعية ، وفيما يقصد به حصول القطع ، وصحة الاحتجاج على الغير ، وأما في مجرد إفادة الظن فيكفي خبر واحد ، أو جماعة يظن المستدل صدقه كالمنقولات (١) عن بعض الأولياء والعلماء ، أو الشعراء ونحو ذلك ، حتى لو جعل العلم الحاصل بالتواتر استدلاليا لم يتوقف النقل القطعي أيضا على إثبات الصانع ، وبعثة الأنبياء.
(قال : ولا خفاء في إفادة النقل الظن. وأما إفادته اليقين فيتوقف على العام بالوضع والإرادة وذلك بعصمة رواة العربية ، وعدم مثل النقل والاشتراك والمجاز ، والإضمار والمعارض من العقلي إذ لا بد معه من تأويل النقل لأنه فرع العقل فتكذيبه تكذيبه نعم قد ينضم إليه قرائن تنفي الاحتمال ، فيفيد القطع بالمطلوب ، وينفي المعارض في العقبات مثل : قل هو الله أحد ، ولا إله إلا الله) (٢).
وإنما الكلام في إفادته العلم ، فإنها تتوقف على العلم بوضع الألفاظ الواردة في كلام المخبر الصادق للمعاني المفهومة ، وبإرادة المخبر تلك المعاني ، ليلزم ثبوت المدلول ، والعلم بالوضع يتوقف على العلم بعصمة رواة العربية ، لغة وصرفا ونحوا ، عن الغلط والكذب ، لأن مرجعه إلى روايتهم إذ لا طريق إلى معرفة الأوضاع سوى النقل ، أما الأصول أعني ما وقع التنصيص عليه فظاهر ، وأما الفروع فلأنها مبنية على الأصول بالقياس ، الذي هو في نفسه ظني ، والعلم بالإرادة يتوقف على عدم النقل إلى معنى آخر وعلى عدم اشتراكه بين هذا المعنى وبين معنى آخر (٣).
وعلى عدم كونه مستعملا بطريق التجوز في معنى غير الموضوع له ، وعلى عدم إضمار شيء يتغير به المعنى ، وعلى عدم تخصيص ما ظاهره عموم الأفراد
__________________
(١) في (ب) المقبولات وهو تحريف.
(٢) ما بين القوسين سقط من (ب).
(٣) ما بين القوسين سقط من (ب).