إذ لا معنى لعدم تصديقه سوى هذا ، ولا حاجة إلى باقي المقدمات مع ما في الحصر من المناقشة إذ لا يلزم تصديقهما أو تكذيبهما ، أو تصديق أحدهما وتكذيب الآخر ، لجواز أن يحكم بتساقطهما ، وكونهما في حكم العدم ، من غير أن يعتقد معهما حقية شيء أو بطلانه ، ولو جعل التكذيب مساويا لعدم التصديق لم يلزم من تكذيب العقل والنقل اعتقاد ارتفاع النقيضين وبطلانهما ، لأن معنى عدم تصديق الدليل عدم اعتقاد صحته واستلزامه لحقية النتيجة ، وهذا لا يستلزم بطلانها أو اعتقاد بطلانها وارتفاعها ، فغاية الأمر التوقف في الإثبات والنفي ، على أن تكذيبهما أيضا يستلزم المطلوب ، أعني عدم إفادة النقل العلم فنفيه يكون مستدركا في البيان ، هذا والحق أن الدليل النقلي قد يفيد القطع إذ من الأوضاع ما هو معلوم بطريق التواتر كلفظ السماء والأرض ، وكأكثر (١) قواعد الصرف والنحو في وضع هيئات المفردات وهيئات التراكيب ، والعلم بالإرادة يحصل بمعونة القرائن بحيث لا تبقى شبهة كما في النصوص الواردة في إيجاب الصلاة والزكاة ونحوهما ، وفي التوحيد والبعث ، وإذا اكتفينا فيهما بمجرد (٢) السمع كقوله تعالى (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (٣) (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) (٤) (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٥).
فإن قيل : احتمال المعارض قائم ، إذ لا جزم بعدمه بمجرد الدليل النقلي (٦) ، أو بمعونة القرائن.
قلنا : أما في الشرعيات فلا خفاء ، إذ لا مجال للعقل فلا معارض من قبله ، ونفي المعارض من قبل الشرع معلوم بالضرورة من الدين ، في مثل ما ذكرنا من الصلاة والزكاة.
وأما في العقليات فلأن العلم بنفي المعارض العقلي ، حاصل عند العلم بالوضع والإرادة ، وصدق المخبر على ما هو المفروض فى نصوص التوحيد ،
__________________
(١) في (أ) وكما كثر وهو تحريف.
(٢) سقط من (ب) لفظ (بمجرد).
(٣) سورة الصمد آية رقم ١.
(٤) سورة محمد آية رقم ١٩.
(٥) سورة يس آية رقم ٧٩.
(٦) في (أ) بزيادة لفظ (أو).