التصديق جزء من بداهة هذا التصديق ، لأنه لا معنى لبداهة هذا التصديق سوى أن ما يتضمنه من الحكم والطرفين بديهي ، والعلم بالكل : إما نفس العلم بالأجزاء أو حاصل به على ما مرّ في تصور الماهية وأجزائها ، فبالضرورة يكون العلم بكل جزء سابقا على العلم بالكل لا تابعا له ممكن الاستفادة منه ، ونبطل ما ذكر في المواقف (١) من أنا نختار أن هذا التصديق بديهي مطلقا ، أي : بجميع أجزائه ، ولا مصادرة ، لأن بداهة هذا التصديق تتوقف على بداهة أجزائه ، لكن العلم ببداهته لا يتوقف على العلم ببداهة الأجزاء.
فالاستدلال : إنما هو على العلم ببداهة الأجزاء فيجوز أن يستفاد من العلم ببداهة هذا التصديق لأنه يستتبع العلم ببداهة أجزائه بمعنى أنه إذا علم بداهته فكل جزء يلاحظ من أجزائه يعلم أنه بديهي فإن قيل : قد يعقل المركب من غير ملاحظة الأجزاء على التفصيل.
قلنا : لو سلم ففي المركب الحقيقي إذ لا معنى لتعقل المركب الاعتباري سوى تعقل الأمور الاعتبارية (٢) المتعددة ، التي وضع الاسم بإزائها ، ولو سلم ففي التصور للقطع بأنه لا معنى للتصديق ببداهة هذا المركب بجميع أجزائه سوى التصديق بأن هذا الجزء بديهي ، وذاك وذاك ولو سلم فلا يلزم المصادرة في شيء من الصور لجواز أن يعلم الدليل مطلقا من غير توقف على العلم بجزئه الذي هو نفس المدعي.
الوجه الثاني : إن الوجود معلوم بحقيقته ، وحصول العلم إما بالضرورة أو الاكتساب ، وطريق الاكتساب إما الحد أو الرسم ، وهذا احتجاج على من يعترف بهذه المقدمات ، فلهذا لم يتعرض لمنعها والوجود يمتنع اكتسابه أما بالحد فلأنه إنما يكون للمركب ، والوجود ليس بمركب ، وإلا فأجزاؤه إما وجودات أو غيرها فإن كانت وجودات لزم تقدم الشيء على نفسه ، ومساواة الجزء للكل في تمام ماهيته وكلاهما محال.
__________________
(١) يراجع كتاب المواقف ج ١ ص ٨٥ عند قوله ، الثاني : من الوجوه الدالة على بداهة تصور الوجود أن يقال : إلخ.
(٢) في (أ) بزيادة (الاعتبارية).