الخاص إلى العام باطل ، بل الأمر بالعكس ، إذ لا تحقق للعام إلا في ضمن الخاص. نعم إذا كان العام ذاتيا للخاص يفتقر هو إليه في تعقله ، وأما إذا كان عارضا فلا. وما ذكروا من أنه لو ارتفع لارتفع كل وجود حتى الواجب فيمتنع ارتفاعه ، أي عدمه فيكون واجبا. فمغالطة. وإنما يلزم الوجوب لو أثبت القائلون (١) امتناع العدم لذاته ، وهو ممنوع ، بل لأن ارتفاعه بالكلية يستلزم ارتفاع بعض أفراده الذي هو الواجب ، كسائر لوازم الواجب ، مثل الماهية والعلية والقابلية (٢) وغير ذلك. فإن قيل : بل يمتنع لذاته لامتناع اتصاف الشيء بنقيضه. قلنا : الممتنع اتصاف الشيء بنقيضه بمعنى حمله عليه بالمواطأة (٣) مثل قولنا : الوجود عدم لا بالاشتقاق مثل قولنا : الوجود معدوم ، كيف وقد اتفق الحكماء على أن الوجود المطلق من المعقولات الثانية ، والأمور الاعتبارية ، التي لا تحقق لها في الأعيان. ثم ادعى القائلون بكون الواجب هو الوجود المطلق ، وأن في مواضع من كلام الحكماء رمزا إلى هذا المعنى ، منها قولهم : الواجب هو الوجود البحت ، والوجود بشرط ، لا أي الوجود الصرف ، الذي لا تقييد فيه أصلا. ومنها قولهم : الوجود خير محض ، لأن الشر نفسه ، إنما هو عدم وجود أو عدم كمال الموجود من حيث أن ذلك العدم غير لائق به ، أو غير مؤثر عنده.
فالوجود بالقياس إلى الشيء العادم كماله قد يكون شرا ، لكن لا لذاته ، بل لكونه مؤديا إلى ذلك العدم ، فحيث لا عدم لا شر قطعا ، فالوجود البحث خير محض ، لأن الشر في نفسه (٤) لا يعقل له ضد ، ولا مثل. أما الضد فلأنه يقال عند الجمهور لموجود مساو في القوة لموجود آخر ممانع له.
__________________
(١) سقط من (أ) أثبت القائلون.
(٢) في (ب) والعالمية بدلا من (القابلية).
(٣) وطئ الأرض ونحوها يطأ (وطؤ) الموضع صار (وطيئا) وبابه ظرف و (الوطأة) كالضربة : موضع القدم. وفي الحديث (اللهم اشدد وطأتك على مضر) والوطء الغطاء وواطأه على الأمر (مواطأة) وافقه. وقوله تعالى : (أَشَدُّ وَطْئاً) بالمد أي مواطأة وهي موافاة السمع والبصر إياه.
(٤) في (ب) بزيادة : لأن الشر في نفسه.