والوجود وإن فرضنا كونه موجودا بمعنى العروضية للوجود فلا يتصور أن يمانعه شيء من الموجودات ، وعند الخاص لما شارك شيئا آخر في الموضوع مع امتناع اجتماعهما فيه ، والموضوع هو المحل المستغني في قوامه عن الحال ، ولا يتصور ذلك للوجود إذ لا تقوم لشيء بدونه ، ولو سلم فلا يتصور وجودي يعاقبه (١) ولا يجامعه (٢) ومنها قولهم : الوجود ليس له جنس ولا فصل ، لأنه بسيط لا جزء له عينا ولا ذهنا ، وإلا لزم تقدمه على نفسه ضرورة تقدم وجود الجزء على وجود الكل في الخارج ، إن كان التركب خارجيا ، وفي الذهن إن كان ذهنيا ، ولأن جزءه وإن كان وجودا موجودا لزم تقدم الشيء على نفسه ، وإن كان عدما أو معدوما لزم تقدم الشيء بنقيضه ، ولأن الجنس يجب أن يكون أعم (٣) ولا أعم من الوجود إذ ما من شيء إلا وله وجود ، وفي بعض المقدمات ضعف لا يخفى ، ولو سلم فغاية الأمر اتصاف كل من الوجود الواجب بهذه المعاني ، ولا إنتاج عن الموجبتين في الشكل الثاني. وتحقيقه أن لزوم هذه الأمور للوجود لا يوجب كونه الواجب ما لم تتبين مساواتها للملزوم. ثم القول بكون الواجب هو الوجود المطلق ينافي تصريحهم بأمور منها : أن الوجود المطلق من المحمولات العقلية ، أي الأمور التي يمتنع استغناؤها عن المحل عقلا ويمتنع حصولها فيه بحسب الخارج كالإمكان والماهية بخلاف مثل الإنسان فإنه (٤) مستغن عن المحل ، ومثل البياض فإن قيامه بالمحل (٥) خارجي ومنها أنه من المعقولات الثانية أي العوارض التي تلحق المعقولات الأولى ، من حيث لا يحاذي بها أمر
__________________
(١) عقب : عاقبة كل شيء آخره. والعاقب من يخلف السيد. وفي الحديث «أنا السيد والعاقب» يعني آخر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. والعقب بكسر القاف مؤخر القدم. وجئت في عقبه : إذا جئت وقد بقيت منه بقية.
(٢) جمع الشيء المتفرق فاجتمع وبابه : قطع ، وأجمع الأمر إذا عزم عليه ويقال اجمع أمرك ولا تجعله منتشرا. قال الله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) وجماع الشيء بالكسر : جمعه. وجامعه على أمر كذا : اجتمع معه.
(٣) العامة : ضد الخاصة. وعم الشيء يعم بالضم (عموما) أي شمل الجماعة يقال : عمهم بالعطية.
(٤) سقط من (ب) لفظ (فإنه).
(٥) في (أ) فإنه بالمحل خارجي.