من جهة استلزامه كون التعقل بحصول الصورة ، لا من جهة استلزامه أن للمعقولات نوعا من التمييز غير التميز بالهوية الخارجية سواء اخترعه العقل أو لاحظه (١) من محل آخر ، لأن اقتضاء التميز الثبوت في العقل أول المسألة) (٢).
كون العلم سيما العلم بما لا تحقق له في الأعيان مقتضيا لثبوت أمر في الذهن ظاهر يجري مجرى الضروريات ، فمن هنا زعم بعضهم أن إنكار الوجود الذهنى إنكار للأمر الضروري واستدل المثبتون بوجوه.
الأول : أنا نحكم حكما إيجابيا على ما لا تحقق له في الخارج أصلا ، كقولنا : اجتماع النقيضين مستلزم لكل منهما ، ومغاير لاجتماع الضدين ، ونحو ذلك. ومعنى الإيجاب الحكم بثبوت أمر لأمر ، وثبوت الشيء لما لا ثبوت له في نفسه بديهي الاستحالة ، فيلزم ثبوت الممتنعات ، لتصح هذه الأحكام ، وإذ ليس في الخارج نفي الذهن. وتقرير آخر أن من الموجبات ما لا تحقق (٣) لموضوعه في الخارج. والموجبة تستدعي وجود الموضوع في الجملة فيكون في الذهن. وما يقال إنا نحكم على الممتنعات بأحكام ثبوتية ، فمعناه أحكام إيجابية فلا يرد عليه : أنه إن أريد الثبوت في الخارج فمحال أو في الذهن فمصادرة (٤) على أنه يجوز أن يقال المراد الثبوت في الجملة وكونه منحصرا في الخارجي والذهني لا يستلزم أن يراد أحدهما ليلزم المحال والمصادرة.
__________________
(١) في (أ) لاحظ بدلا من (لاحظه).
(٢) ففي الاستلزام بذلك الوجه مصادرة إذ كأنه قيل تميز المعقولات تقتضي وجودها في الذهن لأن تميزها يقتضي وجودها ولا يخفى فساده ، وهذا رد على صاحب المواقف.
(راجع المواقف الجزء الثالث).
(٣) في (ب) بزيادة (له).
(٤) المصادرة : عند أهل النظر يطلق على قسم من الخطأ في البرهان. خطأ مادته من جهة المعنى. وهي جعل النتيجة مقدمة من مقدمتي البرهان بتغييرها ، وإنما اعتبر التغيير بوجه ما ليقع الالتباس. كقولنا هذه نقلة ، وكل نقلة حركه فهذه حركة فالصغرى هاهنا عين النتيجة ، ومنهم من يجعل المصادرة من قبيل الخطأ من جهة الصورة قائلا بأن الخطأ في الصورة إما بحسب نسبة بعض المقدمات إلى بعض وهو أن لا يكون على هيئة شكل منتج ، وإما بحسب نسبة المقدمات إلى النتيجة بأن لا يكون اللازم قولا غير المقدمات وهو المصادرة على المطلوب.
(راجع كشاف اصطلاحات الفنون مادة صدر ج ٤).