الثاني : إن الكلي مفهوم ، وكل مفهوم ثابت ضرورة تميزه عند العقل. فالكلي ثابت وليس في الخارج ، لأن كل ما هو في الخارج مشخص فيكون في الذهن.
الثالث : إن من القضايا موجبة حقيقية ، وهي تستدعي وجود الموضوع ضرورة ، وليس في الخارج لأنه قد لا يوجد في الخارج أصلا ، كقولنا : كل عنقاء حيوان ، وعلى تقدير الوجود لا تنحصر الأحكام في الأفراد الخارجية ، كقولنا : كل جسم متناه ، أو حادث ، أو مركب (١) من أجزاء لا تتجزأ ، إلى غير ذلك من القضايا المستعملة في العلوم ، فالحكم على جميع الأفراد لا يكون إلا باعتبار الوجود في الذهن ، وفي المواقف ما يشعر بأن قولنا : الممتنع معدوم قضية حقيقية. وليس كذلك في اصطلاح القوم واعترض بأنا : لا نسلم أن الايجاب يقتضي وجود الموضوع ، قولكم (٢) إن ثبوت الشيء للشيء فرع ثبوته في نفسه.
قلنا : معنى الإيجاب أن (٣) ما صدق عليه الموضوع ، هو ما صدق عليه المحمول من غير أن يكون هناك ثبوت أمر لأمر ، بمعنى الوجود والتحقق فيه ، وإنما ذلك بحسب العبارة ، وعلى اعتبار الوجود الذهني ، بل اللازم هو تميز الموضوع ، والمحمول عند العقل بمعنى تصورهما ، فيكون مرجع الوجوه الثلاثة : إلى أنا نتصور ونفهم أمورا لا وجود لها في الخارج ، فتكون ثابتة في الذهن لأن تعقل الشيء إنما يكون بحصوله في العقل بصورته ، إن كان من الموجودات العينية ، وإلا فبنفسه (٤) ، وهذا نفس المتنازع. لأن القول بكون التعقل بالحصول في العقل إنما هو رأي القائلين بالوجود الذهني ، وإلا لكان بشيء ما كافيا في إثبات المطلوب.
والجواب : أنه لا بد في فهم الشيء وتعقله وتمييزه عند العقل من تعلق بين
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (مركب).
(٢) في (ب) كقولكم.
(٣) سقط من (ب) لفظ (أن).
(٤) في (ب) والأقيسة بدلا من (وإلا بنفسه).