قد اختلفوا في (١) أن المعدوم هل هو ثابت وشيء أم لا؟ وفي أنه هل بين الموجود والمعدوم واسطة أم لا؟ والمذاهب أربعة (٢) حسب الاحتمالات الأربعة (٣) أعني إثبات الأمرين أو نفيهما ، أو إثبات الأول ونفي الثاني أو بالعكس. وذلك أنه إما أن يكون المعدوم ثابتا أو لا. وعلى التقديرين إما أن يكون بين الموجود والمعدوم واسطة أو لا. والحق نفيهما بناء على أن الوجود يرادف الثبوت ، والعدم يرادف النفي ، فكما أن النفي ليس ثابتا ، فكذا المعدوم ، وكما أنه لا واسطة بين الثابت والمنفي ، فكذا بين الموجود والمعدوم ، وأما الشيئية فتساوق الوجود بمعنى أن كل موجود شيء ، وبالعكس ، ولفظ المساوقة يستعمل عندهم فيما يعم الاتحاد في المفهوم. فيكون اللفظان مترادفين والمساواة في الصدق فيكونان متباينين ، ولهم تردد في اتحاد مفهوم الوجود والشيئية. بل ربما يدعي نفيه بناء على أن قولنا : السواد موجود ، يفيد فائدة يعتد بها بخلاف قولنا : السواد شيء فصار الحاصل أن كل ما يمكن أن يعلم إن كان له تحقق في الخارج أو الذهن فموجود وثابت وشيء وإلا فمعدوم ، ومنفي ولا شيء ، وأما المخالفون : فمنهم من خالف في نفي الواسطة وإليه ذهب من أصحابنا إمام الحرمين (٤) أولا ، والقاضي (٥) ، ومن المعتزلة أبو هاشم (٦) ، فقالوا : المعلوم إن لم يكن له ثبوت ، أي في الخارج لأن مبنى الكلام على نفي الوجود الذهني ، وإلا فالمعلوم موجود في الذهن قطعا فهو المعدوم. وإن كان له ثبوت (٧) فإن كان باستقلاله وباعتبار ذاته فهو الموجود ، وإن كان باعتبار التبعية
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (أن).
(٢) (أ) الأول : نفي الواسطة ونفي شيئية المعدوم.
(ب) الثاني : إثبات الواسطة مع نفي الشيئية.
(ج) الثالث : إثبات الشيئية مع نفي الواسطة.
(د) الرابع إثبات الواسطة والشيئية.
(٣) سقط من (أ) لفظ (الأربعة).
(٤) هو عبد الملك بن عبد الله الجويني وقد سبق الترجمة له.
(٥) هو أبو بكر الباقلاني ، قد ترجمنا له.
(٦) سبق أن ترجمنا له ترجمة وافية.
(٧) راجع محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص ٥٥ تحقيق الأستاذ (طه عبد الرءوف سعد) وأيضا تلخيص المحصل على هامشه فقرة رقم ٢.