لكان له وجود وتسلسل ، ولا معدوم وإلا لا تصف بنقيضه ، أي بما يصدق على نقيضه وذلك لأن العدم على تقدير الواسطة ليس نقيضا للوجود ، بل أخص منه ، وإنما نقيضه اللاوجود (١).
وأجاب صاحب التجريد (٢) : بأن الوجود لا يرد عليه القسمة إلى الموجود والمعدوم ، فلا يكون أحدهما ، ولا يخفى ما فيه من تسليم المدعي والاعتراف بالواسطة.
فإن قيل : الواسطة يجب أن تكون قسما من الثابت ، والوجود ليس بثابت كما أنه ليس بمنفي ، وإنما هو ثبوت ، وهذا كما أن كلا من الثبوت والنفي ، ليس ثابتا ولا منفيا ولم يلزم من ذلك كونه واسطة بينهما.
قلنا : العذر أشد من الجزم (٣) ، لأن ما ذكرنا (٤) قول بالواسطة بين الثابت والمنفي بارتفاع النقيضين.
وأجاب الإمام : بأنا نختار أن الوجود موجود ، ووجوده عينه لا زائد ليلزم تسلسل الوجودات ، فامتيازه عن سائر الموجودات يكون بقيد سلبي ، هو أن لا ماهية له وراء الوجود. وقد يجاب بأنا نختار أنه معدوم ، واتصاف الشيء بنقيضه إنما يمتنع بطريق المواطأة. مثل إن الموجود عدم ، والموجود معدوم ، وإما بطريق الاشتقاق مثل إن الوجود ذو عدم ، فلا نسلم استحالته ، فإنه بمنزلة
__________________
(١) اللاوجود : هو العدم ويرادفه لفظ (ليس) وهو العدم أو المعدوم بخلاف (ايس) فهو يدل على الوجود أو الموجود.
قال ابن سينا : فإن الهيولي لا تسبق الصورة بالزمان ، ولا الصورة الهيولي أيضا : بل هما مبدعان معا عن ليسية.
(راجع الأجرام العلوية ٤٣ ـ ٤٤).
(٢) التجريد : هذا الكتاب يسمى تجريد الكلام للعلامة المحقق نصير الدين أبي جعفر محمد بن محمد الطوسي. المتوفى سنة ٦٧٢ ه ، والكتاب على ستة مقاصد ، الأول في الأمور العامة ، والثاني في الجوهر والأعراض ، والثالث في إثبات الصانع ، والرابع في النبوة ، والخامس في الإمامة ، والسادس في المعاد. هو كتاب مشهور شرحه جمال الدين حسن بن يوسف شيخ الشيعة.
(راجع كشف الظنون ج ١ ص ٣٤٥).
(٣) في (أ) الجزم وهو تحريف.
(٤) في (ب) ما ذكرت قول بالواسطة.