ذهب صاحب المواقف إلى أن الخلاف في تمايز الإعدام فرع الخلاف في الوجود الذهني ، فمن أثبته نفاه ، لأن التمايز لا يكون إلا في العقل ، أي بحسب التعقل والتصور ، فإن كان ذلك بوجود في الذهن ، على ما هو رأي المثبتين لم يتصور معدوم مطلقا. أي معدوم ليس له شائبة الوجود ، لأن كل متصور فله وجود ذهني ، فلا يكون التمايز إلا للموجودات ، ومن نفاه أثبته. لأن الإعدام ليست لها شائبة الوجود متمايزة في التصور ، وأنت خبير بأن الأمر بالعكس. لأن الفلاسفة المثبتين للوجود الذهني يقولون : بتمايز الإعدام ، وجمهور المتكلمين النافين له هم القائلون بعدم تمايزها ، فالأولى أن يقال في بيان التفرع. أنه لما كان التميز عندهم وصفا ثبوتيا ، يستدعي ثبوت الموصوف به فمن أثبت الوجود الذهني حكم بتمايز الإعدام عند تصورها لما لها من الثبوت الذهني ، وإن كانت هي إعداما في أنفسها ، ومن نفاه حكم بعدم التمايز (١) لعدم الثبوت أصلا.
(قال : والعدم قد يعرض لنفسه ، بأن يعقل فيغفل عنه فيكون نوعا من العدم باعتبار ومقابلا له باعتبار ، كما أن المعدوم المطلق ثابت باعتبار ، فيصح الحكم عليه وقسيم له (٢) باعتبار فيمتنع.
فإن قيل : فمن حيث إنه ليس بثابت يمتنع الحكم عليه وهذا حكم.
قلنا : نعم. لكن من حيث أنه ثابت ، ولا يناقض لاختلاف الاعتبارين ، وكذا الحكم بامتناع الحكم (٣) على المجهول المطلق (٤) واللاممكن التصور.
__________________
(١) في (ب) بعلم بدلا من (عدم).
(٢) في (أ) وقيم بدلا من (وقسيم).
(٣) إذا الحكم على الشيء فرع تصوره وهذا لم يتصور فلا ثبوت له فلا حكم عليه.
(٤) المجهول المطلق : وهو الذي لم يتصور بوجه ما ، والذي قلنا في الأول هو ما به بيان جهتين مختلفين يثبت الحكم بإحداهما وامتنع باعتبار الأخرى ، فنقول هنا أيضا المجهول المطلق من حيث مفهومه أي شيء لم يتصور أصلا درك متصور فصح الحكم عليه بامتناع الحكم ، ومن حيث مصدوقه ذاته لم يتصور فلا يحكم عليه بشيء.