لما كان الحكم بتمايز الإعدام في التصور مظنة الاعتراض ، بأن التمايز حينئذ يكون للموجودات الذهنية على ما هو رأي المحققين من الحكماء والمتكلمين. حاول التنبيه على الجواب ، بذكر مسائل تدل على أن العدم بالذات لا ينافي الوجود باعتبار منها : أن العدم يعرض لنفسه بأن يتصور العدم المطلق ، الذي هو نفي الكون في الأعيان ، ثم يزول ذلك عن الذهن فيكون ذلك عروضا للعدم ، على ما هو عدم في نفسه ، وإن كان موجودا من حيث حصوله في الذهن. ومنها أن زوال العدم عن الذهن نوع من العدم المطلق من حيث كونه مضافا إلى العدم ، ومقابل له من حيث كونه نفيا له وسلبا. وفيها أن المعدوم المطلق ، أعني ما ليس له ثبوت (١) في الخارج ولا صورة في العقل ثابت من حيث إنه متصور الحكم عليه بامتناع الحكم عليه ، وقسيم للثابت من حيث ذاته ، فيمتنع الحكم عليه ، لاستدعائه ثبوت المحكوم عليه في الجملة.
فإن قيل : فما لا يكون ثابتا بوجه من الوجوه ، من حيث إنه لا ثابت يمتنع الحكم عليه ، والحكم بامتناع الحكم حكم فيتناقض.
قلنا : صحة الحكم عليه (٢) ، بامتناع الحكم ليست من جهة أنه لا ثابت ، بل من جهة أنه متصور ، ثابت في العقل ، وامتناع الحكم من جهة أنه لا ثابت في نفسه ، وبحسب مفهومه ، ولا تناقض لاختلاف الجهتين وهذا هو الجواب عن الشبهة المشهورة على قولهم : الحكم على الشيء مشروط بتصوره بوجه ما ، وهي أنه لو صح ذلك لصدق قولنا : لا شيء مما انتفى فيه هذا الشرط كالمجهول مطلقا ، يصح الحكم عليه ضرورة انتفاء المشروط (٣) بانتفاء الشرط ؛ واللازم باطل. لأن موضوع هذه السالبة ، إن كان ثابتا ، معلوما بوجه ما ، صح الحكم عليه في الجملة فيكذب (٤) الحكم بعدم صحة الحكم
__________________
(١) في (ب) هوية بدلا من (ثبوت).
(٢) سقط من (ب) لفظ (عليه).
(٣) في (ب) (المشروط).
(٤) في (ب) فيكون بدلا من فيكذب.