وليس هو الواجب لامتناع اشتماله على الكثرة ، ولا النفس لامتناع اشتمالها على الكل بالفعل ، فتعين العقل الفعال (١). ثم قال : وهو الذي عبر عنه (٢) في القرآن المجيد باللوح المحفوظ (٣) والكتاب المبين ، المشتمل على كل رطب ويابس ، وأنت خبير بأن ما ذكره مع ضعف بعض مقدماته مخالف لصريح قوله تعالى :
(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) (٤) الآية.
فليته سكت عن التطبيق ، ثم القول بأن المراد بما في نفس الأمر ، ما في العقل الفعال باطل قطعا ، لأن كل أحد من العقلاء يعرف أن قولنا : الواحد نصف الاثنين مطابق لما نفس الأمر ، مع أنه لم يتصور العقل الفعال أصلا ، فضلا عن اعتقاد ثبوته ، وارتسامه بصور الكائنات ، بل مع أنه ينكر ثبوته ، ويعتقد انتفاءه ، على ما هو رأي المتكلمين ، وكان المراد أن ما في نفس الأمر على وجه يعم الكل ، ولا يحتمل النقيض أصلا ، هو ما في العقل الفعال وإن تغايرا بحسب المفهوم ، وقد يقال : لو أريد بما في نفس الأمر في علم العقل الفعال ، امتنع اعتبار المطابقة لما في نفس الأمر في علم العقل الفعال لعدم الاثنينية ، وفي العلم السابق عليه ، ولو بالذات ، كعلم الواجب لامتناع مطابقة الشيء لما لا تحقق له معه ، وفي العلم بالجزئيات ، مثل هذا الحرف ، وقيام زيد في هذا الوقت لامتناع ارتسامها في العقل ويمكن الجواب عن الأول : بأن صحة الحكم الذي في نفس الأمر لا يكون لكونه مطابقا لما في نفس الأمر بل عينه.
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (الفعال).
(٢) سقط من (أ) لفظ (عنه).
(٣) اللوح : ما يكتب فيه من الخشب ، ولوح السفينة وقوله تعالى : (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) استأثر الله بالعلم.
بكيفيته ، وليس لأحد بحقيقته علم إلا بقدر ما روي لنا من الآثار الصحيحة ، وهو المعبر عنه بالكتاب في قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ) والجمع ألواح قال تعالى : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) ونظرت إلى ألواحه ولوائحه : أي إلى ظواهره.
راجع بصائر ذوي التمييز ج ٤ ص ٤٦٨).
(٤) سورة الأنعام وهذه جزء من آية رقم ٥٩.