لما سبق من امتناع الانقلاب ، والواجب ماله الوجوب ، فينقل الكلام إلى وجوبه ويلزم التسلسل في الأمور المترتبة الموجودة معا وهو محال. وكذا الإمكان ، ولما كان هذا الدليل بعينه جاريا في الوجود ، والبقاء والقدم والحدوث ، والوحدة ، والكثرة ، والتعين ، والموصوفية ، واللزوم ، ونحو ذلك ، جعله صاحب التلويحات (١) قانونا في ذلك. فقال : كل ما يكون نوعه متسلسلا ومترادفا ، أي كل ما يتكرر نوعه بحيث يكون أي فرد يفرض منه موصوفا بذلك النوع ، فيكون مفهومه تارة تمام حقيقته محمولا عليه بالمواطأة ، وتارة وصفا عارضا به (٢) محمولا عليه بالاشتقاق ، يلزم أن يكون اعتباريا ، لئلا يلزم التسلسل في الأمور الموجودة ، ولهذا لم تكن الأمور الموجودة متصفة بمفهوماتها ، فلم يكن السواد أسود ، والعلم علما (٣) والطول طويلا ونحو ذلك.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون وجوب الوجوب مثلا عينه ، ونفس ماهيته ، لا أمرا زائدا عليه ، قائما به كبياض الجسم ليلزم التسلسل ، وكذا البواقي.
قلنا : لأنه لو كان كذلك لكان محمولا عليه بالمواطأة ضرورة واللازم باطل لأن الوجوب إذا كان واجبا ، كان حمل الوجوب عليه بالاشتقاق دون المواطأة. لأنه لا معنى للواجب لا ما له الوجوب ، وأما إذا أريد أن لوجود موجود. بمعنى أنه وجود الوجوب واجب بمعنى أنه وجوب. والإمكان ممكن ، بمعنى ، أنه إمكان إلى غير ذلك ، فلم يكن له فائدة ، ولم يتصور فيه نزاع. نعم يصح ذلك في الأمور الاعتبارية ، بأن يعتبر العقل له (٤) أوصافا متعددة ، تنقطع بانقطاع الاعتبار من غير تعدد في الخارج ، وقدرة في المطارحات بوجه آخر
__________________
(١) كتاب التلويحات في المنطق والحكمة : للشيخ شهاب الدين يحيى عمر بن حبش الحكيم السهروردي المقتول سنة ٥٨٧ سبع وثمانين وخمسمائة ، وهو من الكتب المتوسطات فيه ، أوله : عونك يا لطيف. السبحات لجلالك. رتب على ثلاثة علوم : المنطق والطبيعي والإلهي. كل منها على تلويحات. وعليه شرح لعز الدولة سعد بن منصور المعروف بابن كمونة الإسرائيلي.
(راجع كشف الظنون ج ١ ص ٤٨٢).
(٢) في (ب) لفظ (به) بدلا من (له).
(٣) في (ب) عالما بدلا من (علما).
(٤) سقط من (ب) لفظ (له).