فلا نسلم استحالة كون النقيضين عدميين. كيف وهو واقع كالامتناع واللاامتناع ، والعمى واللاعمى ، وما ذكر من أنه ارتفاع النقيضين ممنوع ، بل معنى ارتفاع النقيضين في المفردات ، أن لا يصدقا على شيء حتى لو لم يصدق الوجوب واللاوجوب على شيء ، بل كانا مسلوبين (١) عنه ، كان ذلك ارتفاعا للنقيضين ، وليس معناه خلو النقيضين عن الوجوب والثبوت في نفسهما ، بأن يكون الامتناع معدوما ، وكذا اللاامتناع لصدقه على المعدوم الممكن ، فإن (٢) استحالة ذلك ممنوعة ، نعم (٣) ارتفاع النقيضين في القضايا هو أن لا تصدق القضيتان المتناقضتان في أنفسها ، ولا يثبت مدلولاهما بأن يكذب قولنا ، هذه ممكن ، وهذا ليس بممكن ، وهذا كسائر النسب من المساواة والعموم والخصوص ، والمباينة ، فإنها في المفردات ، تكون باعتبار صدقها على الشيء. وفي القضايا باعتبار صدقها في نفسها ، وثبوت مدلولاتها مثلا.
إذا قلنا الإنسان أخص من الحيوان ، فمعناه أن كل ما صدق عليه الإنسان صدق عليه الحيوان من غير عكس.
وإذ قلنا : الضرورية أخص من الدائمة ، فمعناه أنه كلما صدقت الضرورية في نفس الأمر ، صدقت الدائمة من غير عكس. بمعنى أن كل موضوع ومحمول يصدق بينهما الإيجاب الضروري (٤) ، يصدق بينهما الإيجاب الدائمي ، وليس كل موضوع ومحمول يصدق بينهما الإيجاب الدائمي ، يصدق بينهما الإيجاب الضروري.
الثالث : لو كان الوجوب والإمكان عدميين لا تحقق لهما إلا بحسب العقل ، لزم أن لا يكون الواجب واجبا ، والممكن ممكنا. لا عند فرض العقل ، واعتباره وصفي الوجود والإمكان ، لأن ما لا تحقق له إلا باعتبار العقل لا يقع وصفا للشيء (٥) إلا باعتباره ، واللازم باطل للقطع بأن الواجب واجب ،
__________________
(١) في (ب) مساويين عنه بدلا من (مسلوبين).
(٢) في (أ) واستحالة ذلك بدون (فإن).
(٣) سقط من (ب) لفظ (نعم).
(٤) في (ب) الإيجاب (الدائمي) بدلا من الضروري.
(٥) في (أ) للشيء وصفا بدلا من (وصفا للشيء).