(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) (١).
__________________
فقال المأمون : ما أقبح هذه المقالة وأعظمها وأشنعها ، فحسبك يا عبد العزيز فقد صح قولك وأقر بشر بما حكيت عنه وكفر نفسه من حيث لا يدري.
قال عبد العزيز : يا أمير المؤمنين. إن رأيت أن تأذن لي أن أنتزع بآيات بقيت وأختصر قال المأمون : قل ما شئت.
قال عبد العزيز : قال الله عزوجل : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) فزعم بشر أن معنى جعلوا لله خلقوا لله أندادا فهو ومن قال هذا فهو كافر حلال الدم.
وقال تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) فزعم بشر أن معنى جعلوا لله خلقوا لله لا معنى لذلك غير هذا ومن قال هذا كافر حلال الدم بإجماع الأمة.
قال المأمون : حسبك فقد أثبت حجتك كلها فى هذه المسألة وانكسر قول بشر ، وأبطلت دعواه ، فارجع إلى بيان ما قد انتزعت ـ وشرحه ومعانيه ـ وما أراد الله عزوجل به وما هو من جعل مخلوق ، وما هو غير مخلوق ـ وما تتعامل به العرب في لغتهم ...
تراجع رسالة الحيدة كلها ، وقد طبعتها إدارة الفتوى والدعوة والإرشاد والبحوث العلمية بالمملكة العربية السعودية.
ه : جدل الخوارج
جاء في نهج البلاغة وشرحه لابن أبي الحديد. قام شيخ إلى علي رضوان الله عليه فقال:
«أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام ، أكان بقضاء الله وقدره ...؟
فقال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، ما وطئنا موطئا ، ولا هبطنا واديا إلا بقضاء الله وقدره.
فقال الشيخ : فعند الله احتسب عناي ما أرى لي من الأجر شيئا.
فقال : مه أيها الشيخ ، لقد عظم الله أجركم في مسيركم ، وأنتم سائرون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا مضطرين.
فقال الشيخ : وكيف والقضاء والقدر ساقانا.
فقال : ويحك لعلك ظننت قضاء لازما ، وقدرا حتما ، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والوعد والوعيد ، والأمر والنهي ، ولم تأت لائمة من الله لمذنب ، ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ، ولا المسيء أولى بالذم من المحسن تلك مقالة عباد الأوثان ، وجنود الشيطان وشهود الزور ، أهل العمى عن الصواب ، وهم قدرية هذه الأمة ومجوسه إن الله تعالى أمر تخييرا ، ونهى تحذيرا ، وكلف تيسيرا ، ولم يعص مغلوبا ولم يطع كارها ، ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ، ولم يخلق السموات وما بينهما باطلا ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.
فقال الشيخ : فما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما ..؟
فقال : هو الأمر من الله والحكم ، ثم تلا قوله سبحانه وتعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ).
فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول :
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته |
|
يوم النشور من الرحمن رضوانا |
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا |
|
جزاك ربك عنا فيه إحسانا |
(١) سورة النحل آية رقم ١١١.