وسيستمر ذلك معهم إلى يوم يبعثون ، وصدق ربي في قوله :
__________________
د ـ الجدل في حق القرآن :
قال بشر (مستدلا على خلق القرآن) : قال الله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا).
قال عبد العزيز : أي شيء في هذا من الحجة والدليل على خلقه؟
فقال بشر : هل في الخلق أحد يشك في هذا ، أو يخالف عليه ، إن معنى جعلناه خلقناه قال عبد العزيز : يا أمير المؤمنين ، إن القرآن نزل بلسانك ولسان قومك ، وأنت أعلم أهل الأرض بلغة قومك ، ولغة العرب كلها ، ومعاني كلامها ، وبشر رجل من أبناء العجم ، يتأمل كتاب الله تعالى ، على غير ما أنزل الله ، وغير ما عناه الله عزوجل ، ويحرفه عن مواضعه ، ويبدل معانيه ، ويقول ما تنكره العرب ، وكلامها ولغاتها ، وأنت أعلم خلق الله بذلك ، وإنما يكفر بشر الناس ، ويستبيح دماءهم بتأويل ، لا بتنزيل.
قال بشر : «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» يروغ عبد العزيز إلى الكلام والخطب والاستعانة بأمير المؤمنين ، لينقطع المجلس ، قد أتيتك بما لا تقدر على رده ، ولا دليلي فيه لينقطع المجلس بثبات الحجة عليك ، وإيجاب العقوبة لك ، فإن كان عندك شيء ، فتكلم به وإلا فقد قطع الله مقالتك ، وأدحض حجتك.
قال عبد العزيز : يا بشر أخبرني عن جعل هذا الحرف بحكم لا يحتمل غير الخلق.
قال بشر لا ، وما بين جعل وخلق عندي فرق ، ولا عند غيري من سائر الناس من العرب والعجم ، ولا يعرف الناس إلا هذا.
قال عبد العزيز : أخبرني عن نفسك ، ودع ذكر العرب وسائر الناس ، فأنا من الناس ، ومن الخلق ، ومن العرب وأنا أخالفك على هذا ، وكذلك سائر العرب يخالفونك.
قال بشر : هذه دعوى منك على العرب ، وكل العرب ، والعجم يقولون ما قلت أنا؟ ولم يخالف في هذا غيرك.
قال عبد العزيز : أخبرني يا بشر. إجماع العرب والعجم بزعمك أن جعل وخلق واحد ، لا فرق بينهما هذا الحرف وحده ، أو في سائر ما في القرآن من (جعل).
قال بشر : بل ما في سائر القرآن من (جعل) وسائر ما في الكلام والأخبار والأشعار قال عبد العزيز : قد حفظ عليك أمير المؤمنين ما قلت ، وشهد به عليك.
قال بشر : أنا أعيد عليك هذا القول متى شئت. ولا أرجع عنه ولا أخالفه قال عبد العزيز لبشر :
زعمت أن معنى جعلناه قرآنا عربيا. خلقناه قرآنا عربيا. قال : نعم هكذا.
قال عبد العزيز : قال الله عزوجل (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ، وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) فيكون المعنى : خلقتكم الله عليكم كفيلا ، لا معنى له عند بشر غير هذا ومن قال هذا فقد أعظم الفرية على الله عزوجل وكفر به ، وحل دمه بإجماع الأمة.
وقال الله عزوجل : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) فزعم بشر ولا تجعلوا الله. ولا تخلقوا الله لا معنى له عنده غير ذلك. وكل من قال هذا من الخلق ، فهو كافر حلال الدم بإجماع الأمة لأنه حكى أن الله أخبر بمثل هذا ، وقال الله عزوجل : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ) فزعم بشر أن معنى ويجعلون لله البنات. يخلقون لله البنات. لا معنى لذلك غير هذا.