العشرة ، كم بقي التفتازاني في سمرقند؟ إننا لا نكاد نعلم شيئا عن الفترة الأولى التي قضاها في سمرقند ، حتى إذا كان عام ٧٤٢ ه ينتقل فجأة إلى جرجانية ، وهي مدينة عظيمة على شاطئ نهر جيحون. وأهل خوارزم يسمونها بلسانهم (كركانج) فعربت إلى الجرجانية. يصفها صاحب معجم البلدان بأنها أعظم المدن التي رآها ، وأكثرها أموالا ، وأحسنها أحوالا.
دخل التفتازاني هذه المدينة ، وهو عالم كبير تسبقه شهرته ، لشرحه كتاب التصريف للزنجاني ، ولقد أعجبه المقام في هذه المدينة ، وعكف على التأليف والتصنيف ، وأصبح له طلاب وتلاميذ يتسابقون إليه ، ويجنون الثمار من بين يديه ، وفيها أتم كتابه (المطول على التلخيص).
ما كاد يهل عام ٧٤٨ ه حتى قرر الرحيل من الجرجانية إلى بلدة (هراة) وهي مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان. فيها بساتين كثيرة ، ومياه غزيرة ، وخيرات وفيرة حتى قال شاعرها أحمد السامي الهروي.
هراة أرض خصبها واسع |
|
ونبتها اللقاح والنرجس |
ما أحد منها إلى غيرها |
|
يخرج إلا بعد ما يفلس |
ويقول الأديب البارع الزوزني :
هراة أردت مقامي بها |
|
لشتى فضائلها الوافرة |
نسيم الشمال وأعنابها |
|
وأعين غزلانها الساحرة |
وكانت (هراة) في ذلك مملوءة بالعلماء وبأهل الفضل والحكمة ، ومساجدها تضج بالمناقشات العلمية ، وصولات العلماء ، ومختلف الآراء والأفكار ، ومن علماء (هراة) الحسين بن إدريس الهروي المحدث. روى عنه ابن حبان. وللحسين هذا كتاب في التاريخ صنفه على حروف المعجم.
إلى هذه المدينة التي تموج بكل أنواع الحياة ألقى السعد رحله فيها ، وكان يتأبط كتابه الضخم (المطول على التلخيص) والذي كتبه في جرجانية فأهداه إلى ملك (هراة) معز الدين أبو الحسين بمجرد دخوله إلى المدينة.