الذي يراعونه في التعليم ، فلا يقتصرون على القرآن بل يخلطون في تعليمهم الولدان رواية الشعر ، والترسل ، وأخذهم بقوانين العربية ، وتجويد الخط.
وأما أهل إفريقيا فيخلطون في تعليمهم للولدان القرآن بالحديث في الغالب ومدارسة قوانين العلوم الدينية ، وتلقين بعض مسائلها ، إلا أن عنايتهم بالقرآن واستظهار الولدان إياه أكثر. وعنايتهم بالخط تبع لذلك.
وإذا كان للكتاب هذه الصفة من التعليم والتوجيه ، وكان لها دورها الإيجابي في إشاعة المعرفة وإقامة دعائم الثقافة ، فإن حوانيت الوراقين كان لها دور أيضا لا يقل عن دور الكتاب ، لأن بائعي الكتب لم يكونوا مجرد تجار ينشدون الربح ، وإنما كانوا ، في أغلب الأحايين أدباء ذوي ثقافة ، يسعون للذة العقلية من وراء هذه الحرفة ، وقد حفلت قائمة أسماء الوراقين بشخصيات لامعة ، كابن النديم (١) صاحب الفهرست ، وعلي بن عيسى المعروف بابن كوجك ، وكياقوت (٢) مؤلف معجم الأدباء ، ومعجم البلدان.
ويروي أبو الحاج عن بعض شيوخه أن رجلا رحل في طلب العلم إلى بغداد ، فقرأ ما شاء الله ، ثم أراد الانصراف إلى وطنه فاكترى دابة يركبها ليخرج من البلدة. ولكنه وقف ليشتري صاحب الدابة بعض حاجاته فسمع الطالب نقاشا علميا يدور بين اثنين من أصحاب الحوانيت للتجارة فطلب الطالب من صاحب الدابة إعادته إلى بغداد قائلا : إن بلدا باعته في هذه المنزلة من العلم لا ينبغي أن يرحل عنه (٣).
وما حدث في بغداد كان يحدث مثيله في القاهرة ، ودمشق ، والقيروان ومكة
__________________
(١) هو محمد بن إسحاق أبو الفرج بن أبي يعقوب النديم توفي عام ٤٣٨ ه.
(راجع لسان الميزان ٥ : ٧٢).
(٢) هو ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي أبو عبد الله شهاب الدين مؤرخ ثقة توفي عام ٦٢٦ ه.
(راجع وفيات الأعيان ٢ : ٢٢٠).
(٣) راجع تاريخ التربية الإسلامية ص ٦٦.