والمدينة كما يصور ذلك المقريزي (١).
ويصور الجاحظ مهمة الكتاب وأثره في دنيا الناس ماضيهم وحاضرهم ومدح فيقول :
«ولو لا الكتاب لا ختلت أخبار الماضين وانقطعت آثار الغائبين ، وإنما اللسان للشاهد لك والقلم للغائب عنك ، والماضي قبلك ، والغابر بعدك فصار نفعه أعم ، والدواوين إليه أفقر ، والملك المقيم بالواسطة لا يدرك مصالح أطرافه ، وسد ثغوره ، وتقويم سكان مملكته إلا بالكتاب ، ولو لا الكتاب لما تم تدبير ، ولا استقامت الأمور ، وقد رأينا عمود صلاح الدين والدنيا إنما يعتدل في نصابه ، ويقوم على أساسه بالكتاب والحساب»(٢).
وإذا كان للكتاب دوره أيضا في التعليم والثقافة وتبصير الناس بأمور دينهم ودنياهم. فلقد كان للمسجد أيضا دور الريادة والقيادة في كل جوانب التعليم المختلفة بل وشئون الحياة.
وكان أول مسجد في الإسلام هو مسجد قباء الذي نزل فيه قول الله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (٣).
والحديث عن المسجد في الحقيقة هو حديث عن الجامعة الرئيسية لنشر أنواع المعرفة والثقافة الإسلامية بشتى طرقها وتباين شعبها.
والراصد للمساجد في الأمصار الإسلامية يرى أن حلقات الدرس نشأت في المسجد واستمرت كذلك على مر السنين والقرون ، وفي مختلف البقاع دون
__________________
(١) مجالسة السوق مذمومة |
|
ومنها مجالس قد تحتسب |
فلا تقربن غير سوق الجياد |
|
وسوق السلاح وسوق الكتب |
فهاتيك آلة أهل الوغى |
|
وهاتيك آلة أهل الأدب |
(٢) راجع الكامل للمبرد ورسالة المعلمين للجاحظ.
(٣) سورة التوبة آية رقم ١٠٨.