انقطاع ، وقد توسع المسلمون في عصورهم الأولى في فهم مهمة المسجد ، فاتخذوه مكانا للعبادة ومكانا للتعليم ، ودارا للقضاء ، وساحة تتجمع فيها الجيوش ، ومنزلا لاستقبال السفراء.
ومن أجل ذلك توسع المسلمون في بناء المساجد ، فبنى عمرو بن العاص مسجده في القاهرة سنة ٢١ ه ، وفي عهد مبكر جدا جلس فيه سليمان بن عز التجيبي ليعظ الناس ويبصرهم بأمور دينهم ودنياهم.
وفي عام ١٤٥ ه بنى المنصور الخليفة العباسي مسجده فأصبح قبلة أنظار الأساتذة والطلاب في ذلك العهد .. ومما يدل على ذلك ، أن الخطيب البغدادي لما حج شرب من ماء زمزم وسأل الله أن يحقق له ثلاث حاجات ، كان من بينها أن يتاح له أن يملي الحديث بجامع المنصور.
وقريب من هذا التاريخ أنشئ مسجد دمشق ، والذي كان يعد واحدا من عجائب الدنيا الأربع في ذلك العهد ، وكان مركزا هاما من مراكز الثقافة في العالم الإسلامي.
يحدثنا ابن جبير عنه فيقول : وفيه حلقات للتدريس للطلبة ، وللمدرسين فيها إجراء واسع ، وللمالكية زاوية للتدريس في الجانب الغربي يجتمع فيها الطلبة المغاربة ولهم إجراء معلوم .. إلخ.
وفي سنة ٣٦٠ ه بنى جوهر الصقلي الجامع الأزهر ، وقد خصص منذ سنة ٣٧٨ ه للدراسات والأبحاث العلمية ، وظل من ذلك التاريخ حتى العهد الحاضر جامعة من الجامعات الأولى في العالم الإسلامي.
ولقد فضل المسلمون المسجد على غيره ليكون مكانا للعبادة وتلقي العلم. يقول العبدري في كتابه (المدخل) : «أفضل مواضع التدريس هو المسجد ، لأن الجلوس للتدريس إنما فائدته أن تظهر به سنة ، أو تخمد به بدعة ، أو يتعلم به حكم من أحكام الله تعالى. والمسجد يحصل فيه هذا الغرض متوفرا ، لأنه موضع الناس رفيعهم ووضيعهم ، عالمهم وجاهلهم».