البلادة. فاتفق أن أتاه إلى خلوته رجل لا يعرفه ، فقال له : قم يا سعد الدين لنذهب إلى السير.
فقال : ما للسير خلقت. أنا لا أفهم شيئا مع المطالعة ، فكيف إذا ذهبت إلى السير ولم أطالع ..؟
فذهب وعاد وقال له : قم بنا إلى السير ، فأجابه بالجواب الأول ، ولم يذهب معه فذهب الرجل وعاد وقال له مثل ما قال أولا.
فقال : ما رأيت أبلد منك ، ألم أقل لك : ما للسير خلقت؟
فقال له : رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدعوك ، فقام منزعجا ولم ينتعل ، بل خرج حافيا ، حتى وصل إلى مكان خارج البلد به شجيرات ، فرأى النبي صلىاللهعليهوسلم في نفر من أصحابه تحت تلك الشجيرات ، فتبسم له وقال : نرسل إليك المرة بعد المرة ، ولم تأت ، فقال : يا رسول الله ما علمت أنك المرسل ، وأنت أعلم بما اعتذرت به من سوء فهمي ، وقلة حفظي ، وأشكو إليك ذلك.
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : افتح فمك ، وتفل له فيه ، ودعا له ثم أمره بالعودة إلى منزله ، وبشره بالفتح ، فعاد وقد تضلع علما ونورا ، فلما كان من الغد أتى إلى مجلس العضد ، وجلس مكانه ، فأورد في أثناء جلوسه أشياء ظن رفقته من الطلبة أنها لا معنى لها ، لما يعهدون منه ، فلما سمعها العضد بكى وقال : أمرك يا سعد الدين إليّ فإنك اليوم غيرك فيما مضى. ثم قام من مجلسه وأجلسه فيه ، وفخم أمره من يومئذ (١).
كم كان عمره عند ما حدث له ذلك ..؟ لا شك أنه لم يبلغ الخامسة عشر.
__________________
(١) راجع شذرات الذهب ج ٦ ص ٣٢٠ ، ٣٢١. ونحن نشك في هذه الحادثة التي ذكرها الإمام ابن العماد الحنبلي أن تكون حدثت يقظة ، فإن هذا بعيد الاحتمال ، وإن كان رجال التصوف يقررون بأنهم يشاهدون الرسول صلىاللهعليهوسلم يقظة ، وكما قال العباس المرسي رضي الله عنه «لو غاب عني رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحظة ما عددت نفسي من الأبدال». ومع ذلك فالرأي الذي نرتضيه أن ما حدث للسعد ـ على فرض وقوعه ـ كان رؤيا منامية.