ثالثا : إن ما ذهب إليه الأشاعرة من أن القدرة لم تسبق الفعل ، والفعل لم يتأخر عن القدرة لأنه حال فيها هو زعم باطل وقول لا دليل عليه ، والبرهان ثابت في عكسه وهو ان إيجاد كل فعل يصدر من عاقل يتوقف على أمرين الإرادة والقدرة ، فالإرادة هي المحركة للقدرة ، والقدرة هي الموجدة للفعل ، فلا فعل بلا إرادة كما لا حركة بدون محرّك مثال ذلك فعل المشي المقصود المتوقف على حركة القدمين بفعل الإرادة والقدرة على الحركة إذ لو لا إرادة المشي والقصد منه ووجود القوة لتحريك القدمين لم يحصل المشي المقصود.
رابعا : ان لإيجاد فعل القبيح عوامل وبواعث تحمل الفاعل على ارتكاب فعل القبيح كالجهل والحاجة والعبث والاستهتار ولسوء التدبير والتصرّف والتشفي والضرر بالآخرين لمجرّد اللذة والشهوة هذه العوامل وغيرها لا يمكن أن يوصف بها الله تعالى لأنه عالم بالأشياء قبل حدوثها وحال حدوثها وبعد حدوثها ، وأنه غني عن عباده وغير مفتقر إليهم ، وأنه لم يخلق شيئا عبثا ، وأنه حكيم لا يسيء التصرف والتدبير ، ولأنه رءوف عطوف رحمن رحيم سبقت رحمته غضبه وتمم خيره الموجودات كلها ، وأنه أحسن خلق كل شيء واتقن تدبير كل ما خلق.
خامسا : لو كان الله تعالى هو الفاعل للقبيح وهو مصدر الشرور والسيئات كلها لما نهى عنها بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) النحل / ٩٠ ، وبمقتضى الحكمة لا يجوز له أن يفعل ما نهى عنه ولا ينهي عما يفعله.
وليس في شرائع الدنيا وأديان الناس من وصف إلهه بأنه مصدر الشر والقبيح حتى من صنع إلهه بيده وعبده كالمشركين وعبدة الأصنام ، فالمجوسية الضالة والثنوية الملحدة لم تسند فعل الشر إلى فاعل الخير كما تقدم.