والضلال مقدّرين على العباد لوجب الرضا بهما ، والرضا بما لا يرضى الله عنه باطل بالإجماع وقبيح عقلا ، فمن قوله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) الزمر / ٧.
خلاصة المقال في القضاء والقدر :
انّا ذكرنا في الجزء الأول من عقائد الإمامية في جواب من قال إن أفعال العباد وما وجد واقع بقضاء الله وقدره إن أردت إن الله تعالى قضى عليهم بها أي حكم عليهم بها وألزمها عباده وأوجبها أو بيّن مقاديرها من حسنها وقبحها ومباحها وحظرها وفرضها ونفلها فهو صحيح لا غبار عليه ، قد دل عليه الكتاب والسنة وحكم به العقل الصحيح ، وكذا إن أريد به أنه بينها وكتبها وعلم أنه سيفعلونها لأنه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبينته لملائكته ، وعلى هذا ينطبق وجوب الرضا بقضاء الله وقدره ، وإن أريد أنه قضاها وقدرها بمعنى أنه تعالى خلقها وأوجدها ، فباطل لأنه تعالى لو خلق الطاعة والمعصية لسقط اللوم عن العاصي ، ولم يستحق المطيع ثوابا على عمله ، وأما أفعال الله تعالى فنقول أنها كلها بقدر أي سابقة في علمه تعالى.
وقد أوضح الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام القضاء والقدر لأحد أعيان الشيعة وهو أصبغ بن نباتة وكان من الملازمين له كما في الخبر المشهور.
إن أصبغ بن نباتة قام إلى الإمام علي بعد انصرافه من حرب الشام فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره؟ فقال الإمام عليهالسلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطنا ولا هبطنا واديا ولا علونا قلعة إلا بقضاء الله وقدره ، فقال أصبغ : عند الله احتسب عنائي ما أرى لي من أجر ، فقال الإمام : مه أيها الشيخ بل عظم الله أجوركم في سيركم وأنتم سائرون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين ، فقال أصبغ : كيف والقضاء والقدر ساقانا إلى