ومن هنا يظهر أن الآيات النافية للشفاعة إن كانت ناظرة إلى يوم القيامة ، فإنما تنفيها عن غيره تعالى بمعنى الاستقلال في الملك والآيات المشبه تشبها لله سبحانه بنحو الأصالة ولغيره تعالى بإذنه وتمليكه ، فالشفاعة ثابتة لغيره تعالى بإذنه.
وقد عرفت أن هناك آيات تنفيها فتكون النسبة بين آيات الشفاعة وبين آيات النافية لها كالنسبة بين الآيات النافية لعلم الغيب عن غيره وإثباته له تعالى بالاختصاص ولغيره بارتضائه. قال تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ) النحل ٦٦ وقال (عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) الأنعام ٥٩ ، وقال تعالى : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ). وإثبات الغيب لغيره بارتضائه تعالى. وقال تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) الجن / ٢٧. وكذلك الآيات الناطقة في التوفي والخلق والرزق والتأثير والحكم والملك وغير ذلك فإنها شائعة في اسلوب القرآن حيث ينفي كل كمال عن غيره تعالى ثم يثبته لنفسه ثم يثبته لغيره بإذنه ومشيئته فتفيد أن الموجودات غيره تعالى لا تملك ما تملك من هذه الكمالات بنفسها واستقلالها ، وإنما تملكها بتمليك الله لها إياها.
ما هي الشفاعة :
الشفاعة على ما عرفت من معناها إجمالا بالقريحة المكتسبة من الاجتماع والتعاون وهي من الشفع مقابل الوتر كأن الشفيع ينضم إلى الوسيلة الناقصة التي مع المستشفع فيصير به زوجا بعد ما كان فردا فيقوى على نيل ما يريده لو لم يكن يناله وحده لنقص وسيلته وضعفها وقصورها من الامور التي نستعملها لإنجاح المقاصد ، وجل الموارد التي نستعملها فيها إما مورد يقصد فيها جلب المنفعة والخير ، وإما مورد يطلب فيها دفع المضرة والشر ،