ومن هنا يظهر للمتأمّل أن الشفيع إنما يحكم بعض العوامل المربوطة بالمورد المؤثرة في رفع العقاب.
الشفاعة إما تكوينية أو تشريعية :
أما الشفاعة من جهة التكوين. فانطباق معنى الشفاعة على شأن الأسباب والعلل الوجودية المتوسطة واضح لا يخفى فإنها تستفيد من صفاته تعالى العليا من الرحمة والخلق والإحياء والرزق وغير ذلك إيصال أنواع النعم والفضل إلى كل مفتقر محتاج من خلقه ، وكلامه تعالى يحتمل أيضا ذلك (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ). وأما من الجهة الثانية وهي النظر إليه من جهة التشريع ، فالذي ينبغي أن يقال أن مفهوم الشفاعة على ما سبق من التحليل يصح صدقه في مورده ولا محذور في ذلك وعليه ينطبق قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) طه. وقوله : (لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ) السبأ / ٢٢.
فمن الشفاعة التشريعية ما يستدعي في الدنيا مغفرة من الله سبحانه أو قربا وزلفى فهو شفيع يتوسط بينه وبين عبده ومنه التوبة كما قال تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) الزمر / ٥٤. ويعم شموله لجميع المعاصي حتى الشر.
ومنه الإيمان. قال تعالى : (آمِنُوا بِرَسُولِهِ) إلى قوله (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) الحديد / ٢٨.
ومنه كل عمل صالح. قال تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) المائدة / ٣٥. والآيات فيه كثيرة.
ومنه القرآن لقوله تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) المائدة / ١٦.