في كبرهم فتفضل على خلقه بما جهلوا ونظر لهم بما لم يعرفوه ، ولو عرفوا نعمه عليهم لشغلهم ذلك عن التماري في معصيته ، فسبحانه ما أجل نعمته واسبغها على المستحقين وغيرهم من خلقه وتعالى عما يقول المبطلون علوا كبيرا.
أعضاء البدن :
فكر يا مفضل في أعضاء البدن وتدبير كل منها للإرب (الحاجة). فاليدان للعلاج والرجلان للسعي والعينان للاهتداء والفم للاغتذاء والمعدة للهضم والكبد للتخليص والمنافذ لتنفيذ الفضول والأوعية لحملها والفرج لإقامة النسل ، وكذلك جميع الأعضاء إذا تأملتها وأعملت فكرك فيها ونظرت وجدت كل شيء منها قد قدر شيء على صواب وحكمة.
قال يا مولاي : هل هذا من فعل الطبيعة؟
إن قوما (مثل الماديين في زماننا هذا) يزعمون أن هذا من فعل الطبيعة.
قال الإمام عليهالسلام : سلهم عن هذه الطبيعة أهي شيء له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال أم ليست كذلك ، فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق.
فإن هذه صنعته وإن زعموا أنها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد ، وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب والحكمة علم أن هذا الفعل للخالق الحكيم وان الذي سموه طبيعة هو سنته في خلقه الجارية على ما أجراها عليه مكائن البدن وعجائب الصنع فيها.
فكر يا مفضل في وصول الغذاء إلى البدن وما فيه من التدبير ، فإن الطعام يصير إلى المعدة فتطبخه وتبعث بصفوه إلى الكبد في عروق رقاق وانسجته بينها قد جعلت كالمصفي للغذاء كيلا يصل إلى الكبد منه شيء فينكأها ، وذلك أن الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ، ثم أن الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دما