وينفذ إلى البدن كله في مجاري مهيأة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيأ للماء حتى يطرد في الأرض كلها وينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول إلى مفائض قد أعدت لذلك ، فما كان منه من جنس المرة الصفراء جرى إلى المرارة وما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال ، وما كان من البلة والرطوبة جرى إلى المثانة.
فتأمل حكمة التدبير في تركيب البدن ووضع الأعضاء منه مواضعها واعداد هذه الأوعية فيه لتحمل لك الفضول لئلا تنشر في البدن فتسقمه وتنهكه وتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير وله الحمد كما هو أهله ومستحقه.
أطل الفكر في الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الانسان :
فالحنجرة كالانبوبة (كالارجوزة بين العقدين من القصب) لخروج الصلاة واللسان والشفتان والأسنان لصياغة الحروف والنغم الا ترى من سقطت أسنانه لم يقم السين ومن سقطت شفته لم يصحح الفاء ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء وأشبه شيء بذلك المزمار الأعظم.
فالحنجرة تشبه قصبة المزمار والرئة تشبه الزق الذي ينفخ فيه لتدخل الريح والعضلات التي تقبض على الرئة لتخرج الصوت كالأصابع التي تقبض على الزق حتى تجري الريح في المزمار والشفتان والأسنان التي تصوغ الصوت حروفا ونغما كالأصابع التي تختلف من فم المزمار فتصوغ صغيره ألحانا غير أنه ، وإن كان مخرج الصوت يشبه المزمار بالدلالة والتعريف بالحقيقة هو المشبه بمخرج الصوت. ثم فيها مآرب أخرى.
فالحنجرة يسلك فيها هذا النسيم إلى الرئة فتروّح على الفؤاد بالنفس الدائم المتتابع الذي لو احتبس شيئا يسيرا لهلك الأسنان ، وباللسان تذاق الطعوم وفيه مع ذلك معونة على اساغة الطعام والشراب والأسنان تمضغ الطعام حتى تلين ويسهل إساغته ، وهي مع ذلك كالسند للشفتين تمسكهما وتدعهما من داخل الفم