من أبي عليّ الحدّاد ، واشتغل بالزّهد والمجاهدة مدّة ، واستقى الماء بالأجرة ثمّ اشتغل بالتّذكير ، وحصل له قبول ، وولي تدريس النّظاميّة وأملى الحديث. وقدم دمشق سنة ثمان وخمسين عازما على زيارة بيت المقدس ، فلم يتّفق له لانفساخ الهدنة بين المسلمين والفرنج ، فحدّث بدمشق ووعظ بها.
قلت : روى عنه : ابن عساكر ، وابنه القاسم ، وابن السّمعانيّ ، وأبو أحمد بن سكينة ، وأبو طالب عبد السّميع ، وابن أخيه الشّيخ شهاب الدّين عمر السّهرورديّ ، وزين الأمناء أبو البركات ، وطائفة.
وقال ابن مشق في «الوفيات» : في سنة ثلاث هذه توفّي أبو النّجيب عبد القاهر السّهرورديّ الكرديّ الواعظ ، ومولده سنة تسعين وأربعمائة.
وقال ابن الجوزيّ (١) : توفّي في جمادى الآخرة ، ودفن بمدرسته.
وقال الدّبيثيّ (٢) : حدّثنا عنه جماعة ، ووصفوه بما يطول شرحه من العلم والحلم والمداراة والسّماحة (٣).
__________________
(١) في المنتظم.
(٢) في المختصر المحتاج إليه.
(٣) وقال أبو حامد محمد بن محمد الأصبهاني : إمام عالم مفت كبير البيان ، منير البرهان.
أول شروعه في الزهد ، بلغ في سلوكه غاية الجهد ، وحمل قربة الماء على كتفه وسقى ، ثم صعد وارتقى ، وبلغ في الرياضة الغاية القصوى ، وبنى مدرسة ورباطا وأسكنهما المتفقهة والصوفية. يدرّس العلم ويلبس الخرقة ، وقد انتشرت في الآفاق تلامذته ، وظهرت بالعراق كرامته ، وله شعر. فمن ذلك قوله على طريقة أهل المعرفة والتصوّف :
أحبّكم ما دمت حيّا وميّتا |
|
وإن كنتم قد حلتم في بعاديا |
وعذّبتم قلبي بشوقي إليكم |
|
فحسبي لقياكم وحبّي باديا |
وقلّ خروجي من كناسي لأنني |
|
فقدت بقاعا كنت فيهنّ باديا |
وإخوان صدق كنت آلف قربهم |
|
وكانوا يبادوني بكلّ مراديا |
لقد طفئت ناري وقلّ مساعدي |
|
وزال أنيس كان يوري زناديا |
فيا ليت إن لم يجمع الله بيننا |
|
سمعت بشيرا لي بموتي مناديا |
وأنشدني عمر بن محمد بن عبد الله ، قال : أنشدني عمّي لنفسه :
تدبّر بحكم الله فيما ترومه |
|
ولا تبتدع شيئا فإنك تندم |
وسالم لأمر الله ثم لفعله |
|
فإنك في الدارين تعلو وتسلم |
وقال ابن المستوفي : وكان يستقي بالقربة على كتفه ، كان يخرج إلى الناس مرة بعمامة ،