في أسوأ حال من وسخ الثّياب وقذر مكانه وعدم الغداء. فأشرنا على القاضي أبي القاسم بن الفرّاء بأن ينقله إلى داره ، فنقله وأسكنه في بيت نظيف ، وألبسه ثوبا نظيفا ، وأحضر الأشربة والماء ورد ، فوجد راحة وخفّة ، فأشهدنا بوقف كتبه ، فاستولى عليها بيت العطّار ، وباعوا أكثرها ، وتفرّقت حتّى بقي عشرها. فترك برباط المأمونيّة.
قال ابن النّجّار : كان رحمهالله بخيلا ، متبذّلا في ملبسه ومطعمه ، ويلبس قذرا ، ويلعب بالشّطرنج على الطّريق ، ويقف على المشعبذ وأصحاب القرود ، يكثر المزاح.
وقد صنّف الرّدّ على الحريريّ في موضع من «المقامات» ، وشرح «اللّمع» لابن جنّيّ ولم يتمّه ، وشرح «مقدّمة» الوزير ابن هبيرة في النّحو ، وصنّف الرّدّ على أبي زكريّا التّبريزيّ في تهذيبه لإصلاح المنطق (١).
وقال جمال الدّين القفطيّ (٢) : كان مطّرحا للتّكلّف ، وفيه بذاءة ، ويقف على الحلق ، ويقعد للشّطرنج أين وجده ، وكلامه أجود من قلمه. وكان ضيّق العطن ، ما صنّف تصنيفا فكمّله. شرح «الجمل» للجرجانيّ ، وترك أبوابا في وسط الكتاب وأقرّ هذا التّصنيف وهو على هذه الصّورة ، ولم يعتذر عنه.
قال ابن النّجّار : سمعت أبا بكر المبارك بن المبارك النّحويّ يقول : كان أبو محمد بن الخشّاب يحضر دائما سوق الكتب ، فإذا نودي على الكتاب يريد أن يشتريه أخذه وطالعة ، واستغفل الحاضرين ، وقطع ورقة ، ثمّ يقول إنّه مقطوع ليشتريه برخص ، فإذا اشتراه أعاد الورقة في بيته.
قال : وكان له إيوان كبير ملآن من الكتب والأجزاء ، فكان إذا استعار شيئا وطلب منه يقول : قد حصل بين الكتب فلا أقدر عليه.
قلت : إن صحّ هذا فلعلّه تاب والله يغفر له.
__________________
(١) معجم الأدباء ١٢ / ٥١ ، ٥٢.
(٢) إنباه الرواة ٢ / ١٠٠.