وخطراته في التّحرّز منهم مستعملة ، لا يخلو شهر من مكر (١) يجتمعون عليه ، وحيلة يبرمونها. وكان أكثر ما يستروحون (٢) إليه المكاتبات إلى الفرنج ، فسيّر ملك الفرنج كاتبه ، «جرج» رسولا إلينا ظاهرا ، وإليهم باطنا (٣).
والمولى عالم أنّ عادة أوليائه المستفادة من أدبه أن لا يبسطوا عقابا مؤلما ، وإذا طال لهم الاعتقاد خلّى سبيلهم. ولا يزيدهم العفو إلّا ضراوة ، ولا الرّقّة عليهم إلّا قساوة. وعند وصول «جرج» ورد إلينا كتاب ممّن لا نرتاب به من قومه يذكرون أنّه رسول مخاتلة لا رسول مجاملة ، [و] حامل بليّة ، لا حامل هديّة. فأوهمناه الإغفال ، فتوصّل مرّة بالخروج إلى الكنيسة إلى الاجتماع بحاشية القصر وأعوانهم ، فتنقّلت إلينا أحوالهم فأمسكنا جماعة متمرّدة قد اشتملت على الاعتقادات المارقة ، وكلّا أخذ الله بذنبه ، فمنهم من أقرّ طائعا ، ومنهم أقرّ بعد الضّرب ، وانكشفت المكتومات ، وعيّنوا خليفة ووزيرا (٤).
وكانوا فأما تقدّم ، والمملوك بالعسكر على الكرك والشوبك ، قد كاتبوهم ، وقالوا إنّه بعيد ، والفرصة قد أمكنت (٥).
وكاتبوا «سنانا» صاحب الحشيشيّة بأن الدّعوة واحدة ، والكلمة جامعة ، واستدعوا منه من يغتال المملوك. وكان الرسول خال ابن فرجلة ، فقتل الله تعالى بسيف الشّرع والفتاوى جماعة من الغواة الدّعاة إلى النّار ، وشنقوا على أبواب قصورهم ، وصلبوا على الجذوع المواجهة لدورهم ، ووقع التّتبّع لأتباعهم ، وشرّدت الإسماعيليّة ، ونودي بأن يرحل كافّة الأجناد وحاشية القصر إلى أقصى الصّعيد ، وثغر الإسكندريّة ، فظهر به داعية يسمّى «قديد
__________________
(١) في الروضتين : «لا تخلو سنة تمرّ ، ولا شهر يكرّ ، من مكر يجتمعون عليه».
(٢) في الروضتين : «يستريحون».
(٣) يختصر المؤلّف ـ رحمهالله ـ بعض الجمل من النص. انظر : الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٦٣ ، ومفرّج الكروب ١ / ٢٤٨.
(٤) انظر الروضتين ففيه زيادة.
(٥) انظر الروضتين ففيه زيادة.