يتعرّض بنفسه للشّهادة ، فلقد حكى عنه كاتبه أبو اليسر شاكر بن عبد الله أنّه سمعه يسأل الله أن يحشره من بطون السّباع وحواصل الطّير ، والله يقي مهجته من الأسوإ. فلقد أحسن إلى العلماء وأكرمهم ، وبنى دور العدل ، وحضرها بنفسه أكثر الأوقات ، ووقف على المرضى ، وأدرّ على الضّعفاء والأيتام وعلى المجاورين ، وأمر بإكمال سور مدينة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، واستخراج العين الّتي بأحد ، وكانت قد دفنتها السيول.
وفتح سبل الحجّ من الشّام ، وعمّر الرّبط ، والخوانق ، والبيمارستانات في بلاده ، وبنى الجسور والطّرق والخانات ، ونصّب مؤدّبين للأيتام. وكذلك صنع لمّا ملك بسنجار ، وحرّان والرّقّة ، والرّها ، ومنبج ، وشيزر ، وحماه ، وحمص ، وصرخد ، وبعلبكّ ، وتدمر. ووقف كتبا كثيرة على أهل العلم. وكسر الفرنج والأرمن على حارم هو وأخوه قطب الدّين في عسكر الموصل ، وكان العدوّ ثلاثين ألف ، فلم يفلت منهم إلّا القليل. وقبلها كسر الفرنج على بانياس.
قال سبط الجوزيّ (١) : سبب أخذ نور الدّين دمشق ما ظهر من صاحبها مجير الدّين من الظّلم ومصادرات أهلها ، وقبضه على جماعة من الأعيان ، واستدعى زين الدّولة (٢) بن الصّوفيّ الّذي ولّاه رياسة دمشق لمّا أخرج أخاه وجيه الدّولة منها ، فقتله في القلعة ، ونهب داره ، وأحرق دور بني الصّوفيّ ، ونهب أموالهم. وتواترت مكاتباته للفرنج يستنجد بهم ويطمعهم في البلاد ، وأعطاهم بانياس ، فكانوا يشنّون الغارات إلى باب دمشق ، فيقتلون ويأسرون. وجعل للفرنج على أهل دمشق قطيعة ، فكاتب أهل دولته نور الدّين ، فأخذ نور الدّين معه في الملاطفة والودّ ، وخاف إن شدّ عليه أن يستعين بالفرنج. ولم يزل إلى أن تسلّم دمشق.
__________________
(١) في مرآة الزمان ٨ / ٢٢٠ ، ٢٢١.
(٢) في مرآة الزمان ٨ / ٢٢١ «سيف الدولة» ، وفي الحاشية (١) هو مؤيّد الدين.