قال ابن عساكر (١) : وقد كان شاور السعدي أمير الجيوش بمصر وصل إلى جنابه مستجيرا له لمّا عاين الدّهر ، فأكرمه وأكرم مورده واحترمه ، وبعث معه جيشا لردّه إلى درجته ، فوصلوا معه ، وقتلوا خصمه ، ولم يقع منه الوفاء بما ورد من جهته ، فأصرّ على المشاققة وكابر ، واستنجد بالعدوّ المخذول ، فأنجدوه ، وضمن لهم الأموال العظيمة ، فرجع عسكر نور الدّين ، فحدّث صاحب الفرنج نفسه بأخذ مصر ، فتوجّه إليها بعد سنين لينتهز الفرصة ، فأخذ بلبيس ، وخيّم بعرصة مصر ، فلمّا بلغ نور الدّين ذلك ، بذل جهده في توجيه الجيش إليها ، فلمّا سمع العدوّ بمجيء الجيش رجعوا ، وأمن أهل مصر بقدوم الجيش وانتعشوا ، واطّلع من شاور على المخامرة ، وأنّه أنفذ يراسل العدوّ ليردّهم إلى مصر ، ويدفع بهم الجيش ، فلمّا عرف غدره تمارض أسد الدّين ، فجاء شاور يعوده ، فوثب جورديك وبزغش النّوريّان فقتلاه ، وأراح الله منه ، وصفى الأمر لأسد الدّين ، وتملّك وحمدت سيرته ، وظهرت السّنّة بمصر.
وكان حسن الخطّ ، حريصا على تحصيل الكتب الصّحاح والسّنن ، كثير المطالعة للفقه ، والحديث ، مواظبا على الصّلوات في جماعة ، كثير التّلاوة ، والصّيام ، والتّسبيح ، عفيفا ، متحرّيا في المطعم والمشرب ، عريا عن التّكبّر.
وكان ذا عقل متين ورأي رهين ، مقتديا بسيرة السّلف ، متشبّها بالعلماء والصّلحاء. روى الحديث وأسمعه بالإجازة. وكان من رآه شاهد من جلال السّلطنة وهيبة الملك ما يبهره ، فإذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه ما يحيّره.
ولقد حكى عنه من صحبه في حضره وسفره أنّه لم يسمع منه كلمة فحش في رضاه ولا في ضجره ، وإنّ أشهى ما إليه كلمة حقّ يسمعها ، وإرشاد إلى سنّة يتّبعها ، يؤاخي الصّالحين ويزورهم ، وإذا احتلم مماليكه أعتقهم ، وزوّج ذكرانهم بإناثهم ورزقهم. ومتى تكرّرت الشّكاية من ولاته عزلهم. وأكثر ما
__________________
(١) في تاريخ دمشق ، ومختصره ٢٤ / ١٢٥.