أخذه من البلدان تسلّمه بالأمان. وكان كلّما فتح الله عليه فتحا ، وزاده ولاية ، أسقط عن رعيّته قسطا ، حتّى ارتفعت عنهم الظّلامات والمكوس ، واتّضعت في جميع ولايته الغرامات والنّحوس.
وقال أبو الفرج بن الجوزيّ (١) : نور الدّين ولي الشّام سنين ، وجاهد الثّغور ، وانتزع من أيدي الكفّار نيّفا وخمسين مدينة وحصنا ، وبنى مارستانا (٢) في الشّام ، فأنفق عليه مالا ، وبنى بالموصل جامعا غرم عليه سبعين (٣) ألف دينار ، ثمّ أثنى عليه.
وقال : كان يتديّن بطاعة الخلفاء ، وترك المكوس قبل موته ، وبعث جنودا فتحوا مصر. وكان يميل إلى التّواضع ، ومحبّة العلماء والصّلحاء ، وكاتبني مرارا. وأحلف الأمراء على طاعة ولده بعده ، وعاهد ملوك الفرنج ، وصاحب طرابلس ، وقد كان في قبضته أسيرا ، على أن يطلقه بثلاثمائة دينار ، وخمسمائة حصان ، وخمسمائة زرديّة ، ومثلها تراس إفرنجيّة ، ومثلها قنطوريّات ، وخمسمائة أسير مسلمين ، وبأنّه لا يغير على بلاد المسلمين سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيّام. وأخذ منه في قبضته على الوفاء بذلك مائة من أولاد الفرنج وبطارقيّهم ، فإن نكث أراق دماءهم. وعزم على فتح بيت المقدس ، فتوفّي في شوّال. وكانت ولايته ثمانيا وعشرين سنة.
وقال الموفّق عبد اللّطيف : كان نور الدّين لم ينشف له لبد من الجهاد ، وكان يأكل من عمل يده ، ينسخ تارة ، ويعمل أعلافا تارة ، ويلبس الصوف ، ويلازم السّجّادة والمصحف ، وعمّر المدارس ، وعمّر المارستان بدمشق للمهذّب ابن النّقّاش تلميذ أوحد الزّمان.
وكان حنفيّا ، ويراعي مذهب الشّافعيّ ، ومالك. وكان ولده الصّالح أحسن أهل زمانه صورة.
__________________
(١) في المنتظم ١٠ / ٢٤٨ ، ٢٤٩.
(٢) في الأصل : «وبنى مارستان».
(٣) في المنتظم : «ستين».