ونزل نور الدّين على حارم ، فكبستهم الفرنج ، وهرب جيشه على الخيل عريا ، وقام هو حافيا ، فركب فرس النّوبة ، وأخذت الفرنج الخيم بما حوت ، فلمّا دخل حلب غرم لجميع الجند ما ذهب ، حتّى المخلاة والمقود ، وخرج بعد شهر بأتمّ عدّة ، وكسرهم كسرة مبيدة.
ونقل الحسن بن محمد القليوبيّ في «تاريخه» قال : لمّا جاءت الزّلزلة بنى نور الدّين في القلعة بيتا من خشب كان يبيت فيه ، فدفن في ذلك البيت ، ورثاه جماعة من الشّعراء ، وأخرجت الأمراء ولده مشقوق الثّياب ، مجزوز الشّعر ، وأجلسوه على التّخت الباقي من عهد تتش ، والنّاس حوله يبكون ، ثمّ حلف له الأمراء.
وقال القاضي ابن خلّكان (١) : وسيّر نور الدّين الأمير أسد الدّين شير كوه إلى مصر ثلاث دفعات ، ثمّ ملكها صلاح الدّين نيابة له ، وضرب باسمه السّكّة والخطبة.
قال : وكان زاهدا ، عابدا ، متمسّكا بالشّريعة ، مجاهدا ، كثير البرّ والأوقاف. وبنى بالموصل الجامع النّوريّ. وله من المناقب ما يستغرق الوصف.
توفّي في حادي عشر شوّال بقلعة دمشق بالخوانيق ، وأشاروا عليه بالفصد فامتنع ، وكان مهيبا ، قلّما روجع ، وكان أسمر طويلا ، حسن الصّورة ، ليس بوجهه شعر سوى حنكه. وعهد بالملك إلى ولده الملك الصّالح إسماعيل ، وهو ابن إحدى عشرة سنة.
وقال ابن الأثير (٢) : حكى لي الطّبيب قال : استدعاني نور الدّين مع غيري ، فدخلنا عليه ، وقد تمكّنت الخوانيق منه ، وقارب الهلاك ، ولا يكاد يسمع صوته ، فقلت : ينبغي أن ينتقل إلى موضع فسيح مضيء ، فله أثر في
__________________
(١) في وفيات الأعيان ٥ / ١٨٥.
(٢) في الكامل ١١ / ٤٠٢.