قال : وكان عارفا بمذهب أبي حنيفة ، وليس عنده تعصّب (١) ، والمذاهب عنده سواء.
قال : وكان يلعب يوما في ديوان دمشق ، وجاءه رجل فطلبه إلى الشّرع ، فجاء معه إلى مجلس القاضي كمال الدّين بن الشّهرزوريّ ، وتقدّمه الحاجب يقول للقاضي : لا تنزعج ، واسلك معه ما تسلك مع آحاد النّاس. فلمّا حضر سوّى بينه وبين خصمه وتحاكما ، فلم يثبت للرّجل عليه حقّ ، وكان يدّعي ملكا في يد نور الدّين ، فقال نور الدّين : هل ثبت له حقّ؟ قالوا : لا. قال : فاشهدوا أنّي قد وهبت له الملك ، وإنّما حضرت معه لئلّا يقال عنّي أنّي دعيت إلى مجلس الشّرع فأبيت (٢).
قال : ودخل يوما فرأى مالا كثيرا ، فقالوا : بعث بهذا القاضي كمال الدّين من قابض الأوقاف. فقال : ردّوه ، وقولوا له : أنا رقبتي دقيقة ، لا أقدر على حمله غدا ، وأنت رقبتك غليظة تقدر على حمله (٣).
ولمّا قدم أمراؤه دمشق أفنوا الأملاك ، واستطالوا على النّاس ، خصوصا أسد الدّين شير كوه ، ولم يقدر القاضي على الانتصاف من شير كوه ، فأمر نور الدّين ببناء دار العدل ، فقال شير كوه : إنّ نور الدّين ما بنى هذه الدّار إلّا بسببي ، وإلا فمن يمتنع على كمال الدّين؟. وقال لديوانه : والله لئن أحضرت إلى دار العدل بسبب واحد منكم لأصلبنّه. فإنّ كان بينكم وبين أحد منازعة فارضوه مهما أمكن ، ولو أتى على جميع مالي (٤).
وكان نور الدّين يقعد في دار العدل في الأسبوع أربع مرّات ، ويحضر عنده الفقهاء والعلماء ، ويأمر بإزالة الحاجب والبوّابين (٥).
__________________
(١) مرآة الزمان ٨ / ٣٠٨.
(٢) مرآة الزمان ٨ / ٣٠٨.
(٣) مرآة الزمان ٨ / ٣٠٨.
(٤) مرآة الزمان ٨ / ٣٠٩.
(٥) مرآة الزمان ٨ / ٣٠٩.