قال : وكان إذا حضرت الحرب حمل قوسين وتركشين (١) ، وكان لا يتّكل الجند على الأمراء ، بل يتولّاهم بنفسه ، ويباشر خيولهم وسلاحهم.
قال : وأنفق على عمارة جامع الموصل ستّين (٢) ألف دينار ، وفوّض عمارته إلى الشّيخ عمر الملّا الزّاهد.
قال : ويقال : أنفق عليه ثلاثمائة ألف دينار ، فتمّ في ثلاث سنين. وبنى جامع حماه على العاصي (٣).
قال : ووقع في أسره ملك إفرنجيّ ، فأشار الأمراء ببقائه في أسره خوفا من شرّه ، وبذل هو في نفسه مالا. فبعث إليه نور الدّين سرّا يقول : أحضر المال. فأحضر ثلاثمائة ألف دينار ، فأطلقه. فعند وصوله إلى مأمنه مات. فطلب الأمراء سهمهم من المال ، فقال : ما تستحقّون منه شيئا لأنّكم نهيتم ، وقد جمع الله لي الحسنيين : الفداء ، وموت اللّعين ، وخلاص المسلمين منه. فبنى بذلك المال المارستان ، والمدرسة بدمشق ، ودار الحديث (٤).
قال : وما كان أحد من الأمراء يتجاسر أن يجلس عنده من هيبته ، فإذا دخل عليه فقير أو عالم أو ربّ حرفة قام ومشى إليه وأجلسه إلى جانبه ، ويعطيهم الأموال ، وإذا قيل له في ذلك يقول : هؤلاء لهم حقّ في بيت المال ، فإذا قنعوا منّا ببعضه فلهم المنّة علينا (٥).
وقال العماد الكاتب في «البرق الشّاميّ» : أكثر نور الدّين في السّنة الّتي توفّي فيها من الصّدقات ، والأوقاف ، وعمارة المساجد ، وأسقط كلّما فيه
__________________
(١) في المرآة : «تركاشين». والتركاش : كلمة فارسية معناها : الجعبة. (معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة لأدي شير ٣٦).
(٢) تقدّم أنه غرم عليه «سبعين» ألف دينار. والمثبت يتفق مع : المنتظم ١٠ / ٢٤٨ ، ومرآة الزمان ٨ / ٣١٠.
(٣) مرآة الزمان ٨ / ٣١٠ و ٣١١.
(٤) مرآة الزمان ٨ / ٣١١.
(٥) مرآة الزمان ٨ / ٣١١ ، ٣١٢.