ثمّ كتب بعد ذلك بالقلم الجافي : تحقيقا للحقّ ، وتمحيقا للباطل ، ونشرا للعدل ، وتقديما للصّلاح الشّامل ، وإيثارا للثّواب الآجل على الحطام العاجل ..
إلى أن قال : فأيقنوا أنّ ذلك إنعام مستمرّ على الدّهور ، باق إلى يوم النّشور ، ف (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (١). وسبيل كلّ واقف على هذا المثال من الولاة والعمّال حذف ذلك كلّه ، وتعفية رسومه ، ومحو آثاره ، وإقراره وإطلاقه على الإطلاق ، (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢). والتّوقيع الأعلى (٣) حجّة لمضمونه ومقتضاه.
وكتب [بيده] (٤) الكريمة شرّفها الله ، في مستهلّ رجب سنة سبع وستّين وخمسمائة.
ومن شجاعته ، نقل ابن واصل (٥) وغيره أنّه كان من أقوى النّاس بدنا وقلبا ، وأنّه لم ير على ظهر فرس أشدّ منه ، كأنّما خلق عليه ولا يتحرّك. وكان من أحسن النّاس لعبا بالكرة ، تجري الفرس ويتناولها من الهواء بيده ، ويرميها إلى آخر الميدان. وكان يمسك الجوكان بكم قبائه استهانة باللّعب. وكان إذا حضر الحرب أخذ قوسين وتركاشين ، وباشر القتال بنفسه.
وكان يقول : طالما تعرّضت للشّهادة فلم أدركها.
قلت : قد أدركتها على فراشك ، وبقي ذلك في أفواه المسلمين تراهم يقولون : نور الدّين الشّهيد. وما شهادته إلّا بالخوانيق رحمهالله.
__________________
(١) سورة سبإ ، الآية ١٥.
(٢) سورة البقرة ، الآية ١٨١.
(٣) في الأصل : «الأعلى».
(٤) بياض في الأصل.
(٥) في مفرّج الكروب.