وقال لهم عمارة اليمنيّ : أنا قد أبعدت أخاه توران شاه إلى اليمن خوفا من أن يسدّ مسدّه ، وقرّروا الأمور ، وكاد أمرهم أن يتمّ ، وأبى الله إلّا أن يتمّ نوره ، فأدخلوا في الشّورى الواعظ زين الدّين عليّ بن نجا ، فأظهر لهم أنّه معهم ، ثمّ جاء إلى صلاح الدّين ، فأخبره ، وطلب من صلاح الدّين ما لابن كامل من الحواصل والعقار ، فبذل له ، وأمره بمخالطتهم ، وتعريف شأنهم ، فصار يعلمه بكلّ متجدّد. فجاء رسول ملك الفرنج بالسّاحل إلى صلاح الدّين بهديّة ، ورسالة ، وفي الباطن إليهم. وأتى الخبر إلى صلاح الدّين من أرض الفرنج بجليّة الحال ، فوضع صلاح الدّين على الرسول بعض من يثق إليه من النّصارى ، فداخل الرسول ، فأخبره بحقيقة الأمر.
وقيل إنّ عبد الصّمد الكاتب كان يلقى القاضي الفاضل (١) بخضوع زائد ، فلقيه يوما ، فلم يلتفت إليه ، فقال القاضي الفاضل : ما هذا إلّا لسبب ، فأحضر ابن نجا الواعظ ، فأخبره الحال ، وطلب منه كشف الأمر ، فأخبره بأمرهم ، فبعثه إلى صلاح الدّين ، فأوضح له الأمر ، فطلب صلاح الدّين الجماعة ، وقرّرهم فأقرّوا ، وكان بين عمارة وبين الفاضل عداوة ، فلمّا أراد صلاح الدّين صلبه ، تقدّم الفاضل وشفع فيه ، فظنّ عمارة أنّه يحثّه على هلاكه ، فنادى : يا مولانا لا تسمع منه في حقّي. فغضب القاضي الفاضل وخرج. فقال صلاح الدّين : إنّما كان يشفع فيك. فندم ، وأخرج ليصلب ، فطلب أن يمرّوا به على مجلس القاضي الفاضل ، فاجتازوا به عليه ، فأغلق بابه ، فقال عمارة :
عبد الرّحيم قد احتجب |
|
إنّ الخلاص من (٢) العجب |
ثمّ صلب هو والجماعة بين القصرين ، وذلك في ثاني رمضان ، وأفنى بعد ذلك من بقي منهم (٣).
__________________
(١) هو القاضي محيي الدين عبد الرحيم بن علي بن حسن الفاضل البيساني ثم المصري.
(٢) في الكامل ١١ / ٤٠٠ ، «هو» ، ومثله في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٦٩.
(٣) الكامل ١١ / ٣٩٨ ـ ٤٠٠ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٦٠ ـ ٥٦٥ ، سنا البرق الشامي ١ / ١٤٧ ـ ١٤٩ ، مسالك الأبصار (مخطوط) ٢٧ / ٣١ أ ، ب ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٤ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، مرآة الزمان ٨ / ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، البداية والنهاية =