لاستصحاب شيء منها ، للقطع بارتفاعها. وان كان بمعنى ارتفاع ما جعل ضدها في الشريعة اللاحقة ، وإمضاء غيرها ، فاحتمال بقاء بعض أحكامها في هذه الشريعة وان كان متحققا ، إلّا ان إثبات الإمضاء باستصحاب بقائها وعدم نسخها يكون من الأصل المثبت. فعلى التقديرين لا مجال للاستصحاب.
ونقول : أما على الأول ، فالاستصحاب وان لم يكن جاريا ، إلّا ان المبنى غير تام ، فان نسخ الشريعة لا يستلزم ارتفاع جميع أحكامها وتجديد جعل جميع الأحكام ، فان جاعل الأحكام مطلقا أو في الجملة هو الحق سبحانه ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مبلغ لها ، فيجعل بعضها مستمرا إلى الأبد من غير اختصاصها بشريعة دون أخرى ، كما يجعل بعضها ممدودة إلى أمد معين ، أو في شريعة خاصة ، مثلا طهارة الماء وحليته ثابتة بجعل واحد في جميع الشرائع ، ولا يتوهم تعلق جعل جديد بهما في كل شريعة مستقلا ، إذ لا معنى لتعدد الجعل ، لعدم ترتب فائدة على ذلك ، ولا بد من جعل واحد مستمر.
نعم ثبوت حكم الشريعة السابقة في الشريعة اللاحقة يحتاج إلى الإمضاء ، وتبليغ النبي اللاحق ، إلّا ان الاستصحاب على تقدير جريانه والتعبد ببقاء الحكم السابق كاف في إمضائه.
وبعبارة أخرى : كما ان قيام الدليل الخاصّ على بقاء حكم الشرع السابق يكون إمضاء له ، كذلك قيام الاستصحاب عليه يكفي في إمضائه ، لعدم الفرق بين الدليل المختص ببقاء حكم الشرع السابق والعام الشامل له ولغيره.
وأما ما قيل : من ان العلم الإجمالي بزوال جملة من أحكام الشرائع السابقة مانع عن الرجوع إلى أصالة عدم النسخ ، فهو إشكال أورد به في جملة من الموارد.
منها : الرجوع إلى أصالة العموم إذا شك في عموم آية أو رواية ، لورود المخصص على جملة من عمومات الكتاب والسنة.