ونقول في توضيح ذلك : ان تمسك الكتابي بالاستصحاب قد يكون إقناعيا ، أي في مقام بيان عذره في تهوده أو تنصره. وقد يكون إلزاميا في مقام بيان وجوب التهود أو التنصر على المسلمين. فالكلام في مقامين :
أما المقام الأول :
فتارة : يتمسك الكتابي بالاستصحاب في نفس نبوة النبي السابق ، فنسأل منه أولا من أين حصل لك اليقين بنبوته حدوثا ، وعلى فرض تحققه ولو من جهة السماع من أبويه. فنقول له : هل أنت متيقن ببقائه فعلا؟ وعليه فلا مجال للاستصحاب. أو أنت شاك فيهما ، فحينئذ لا بد لك في الفحص ، إذ بدونه لا يرجع إلى الأصل العملي في غير الشبهات الموضوعية ، وبالفحص يتبين الحق ، كما هو ظاهر قوله سبحانه (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(١) وعلى فرض عدم وضوح الحق له ولو محالا ، فليس له الرجوع إلى الاستصحاب ، لأن الأثر المرغوب هنا هو المعرفة واليقين ، وهو ينافي الشك ، ولا يترتب على الاستصحاب.
وان قال الكتابي : ان الاستصحاب يفيد الظن ، وهو حجة في فرض العجز عن اليقين. قيل له : لا بد لك من إثبات أمرين : أحدهما : ان الاستصحاب مفيد للظن ، والثاني : كونه حجة ، فان العقل مستقل بعدم حجيته ، مع ان المفروض إمكان الاحتياط بالاعتقاد بنبوة من هو نبي بعده واقعا.
واما استصحاب أحكام الشريعة السابقة ، فانما يصح الرجوع إليه فيما إذا كان حجة في كلتا الشريعتين ، أي السابقة واللاحقة ، فحينئذ تكون حجية الاستصحاب متيقنة على التقديرين. وأما إذا كان حجة في خصوص السابقة ، فلا يجري ، لأن حجيته كبقية أحكام تلك الشريعة يحتمل ان تكون منسوخة ، فحجيته
__________________
(١) العنكبوت : ٦٩.