وأما القرائن الداخلية ، فهي أمور :
أحدها : ان اليقين والشك من الصفات ذات الإضافة ، كالحب والبغض ، والشوق والإرادة والكراهة. لا أريد أن أقول : انها من مقولة الإضافة ، بل المراد انها تشترك مع غيرها من الأعراض من حيث احتياجها في وجودها الخارجي إلى الموضوع ، وتزيد عليها في احتياجها إلى المتعلق ، فلا تحقق لليقين والشك إلّا متعلقا بشيء.
وعليه فتقيدهما بالمتعلق في قوله «فانه كان على يقين من وضوئه» يكون من هذه الجهة ، إذ لو لا ذلك لكان الكلام ناقصا ، وأما تقييده بخصوص الوضوء فانما هو لكونه مورد السؤال ، فلا يوجب الاختصاص ، فكأنه قال : لأنه من وضوئه كان على يقين ولا ينقض اليقين بالشك ، فيؤخذ بإطلاقه.
ثانيها : أنه لا ريب في ان النقض عبارة عن حل الأمر المستحكم ، وإطلاقه في الصحيحة انما هو بلحاظ نفس اليقين لا المتيقن كما ستعرف. وعليه فمناسبة الحكم والموضوع تقتضي عموم المنع عن نقض اليقين بالشك من غير خصوصية لليقين بالوضوء.
ثالثها : ان ذكر كلمة (أبدا) في هذه الصحيحة ولفظ (لا ينبغي) في الأخرى إشارة إلى كون ذلك أمرا ارتكازيا عند العقلاء ، ولا ينبغي مخالفته دائما ، ومن الظاهر أنه لا يفرق فيما هو المرتكز عندهم بين أنحاء ما تعلق به اليقين.
لا يقال : هذا ينافي ما تقدم من إنكار قيام السيرة على العمل على طبق الحالة السابقة ، وأنه مبني على الاطمئنان أو الرجاء أو الغفلة ونحوها.
فانه يقال : لا ينبغي الريب في ثبوت الكبرى ، وان العقلاء لا يرفعون اليد عن الأمر المبرم بغيره ، ولذا ترى لو كان طريقان أحدهما مأمون قطعا والآخر احتمالا ، لا يختار عاقل الطريق الثاني على الأوّل ، وهذه هي التي أثبتناها ، وذكرنا